في ظروف غامضة وجدنا الحمار قد نفق بعد أن ضرب رأسة بالجدار الحجري بشكل جنوني .
ولأسباب غامضة ايضا ذرف عمي ابو وصفي دمعة هاربة ثم تلثم بكوفيته الحمراء ولاذ بالصمت المفرط .
قبل ذلك بساعة واحده تماما من انتحار الحمار، اي قبل ان تعانق الشمس الأفق الغربي بدقائق ، جاء ابو وصفي من (المقثاه )وهو يمتطي صهوة حماره بعد أن ملأ الخرج بالفقوس البلدي واقراص عبّاد الشمس ، كنت أراقبه من بعيد وهو يقترب ونسمات الهواء جعلت منديله يهفهف على ايقاعها وكأنه يرقص على انغام الهجيني التي كان يؤديها بنشوة فرح ( يا عمي ما شفتلي ثنتين طاحا على نوح يزورنه ) بعد أن تربع على ظهر الحمار والقى بقدميه على جانب الحمار الأيسر حتى كادت احدى قدميه ان تلامس الارض لطولهما ، كيف لا وعمي طويل القامة وحماره الأخضر حقر ( بكسر الحاء والسين) حتى بدا الحمار حقيرا ، بأختصار عمي يبدو سعيدا .
قبل نصف ساعة من المصاب الجلل. كانت زوجته قد اعدت له طعام العشاء لحين الانتهاء من اداء صلاة المغرب، ثلاثة ارغفة من خبز الطابون المحلي وقليل من الزيت وثلاث حبات فقوس ، بدأ بالعشاء ومشاهدة التلفاز على القناه المحلية ((JABAN TV التي كانت تبث حلقة لمسؤول حكومي كوبي من هولندا ، حيث ظهر بوجهه الابيض وابتسامته العريضه تسبقه الى الكاميرا ، بذلته الفاخرة وربطه عنقه التي جاءت منسجمه تماما مع قميص المذيع ، واخذ يتحدث عن انجازات مؤسستة والنجاحات الكبيرة التي حققتها في مجالات الزراعه والطاقة والمياه والادوية والمواصلات والتعليم ، والمذيع المتملق الذي يبدو أنه أعجب بحذاء المسؤول لأنه ينسجم مع بنطاله حسب اعتقاده راح يمجده ويشكره نيابة (عني وعن عمي وعن الي خلفوني وعن كل شعب بوركينا فاسو ) ولم يبقى الاّ ان يقول له (أنت ولي نعمتنا ). ( تقولون أن شمسكم سطعت . فمن أين كل هذا الظلام ؟.
ما زال عمي (يغط الخبز بالزيت ورباب ربة البيت ) ويجد نفسه مشغولا ايضا بمتابعة الشريط الأخباري أسفل الشاشة والذي اظهر أن هناك اختلاسات وفساد كبير في مؤسسة المسؤول ذاته بارقام لا يستطيع قراءتها ولا يعرفها (وأول مرة يسمع قيها) لأنه ما أخذها في المدرسة ( مليون , ....) ولا ادري ان كانت صدفة أن يتزامن نهيق الحمار مع حديث المسؤول والشريط الاخباري مما اثار حفيظة عمي الذي أنفجر صارخا : ( يخس الله يلعنك ويلعن أهلك سديت نفسي ) وأقسمت زوجة عمي أنه لم يكمل رغيفه الأول .
لا أحد يدري أن كان عمي يقصد المسؤول أم يقصد الحمار فكلا منهما كان يدلو بدلوه .اما انا ولأني أعرف حمار عمي حق المعرفة لأنه يعمل عند عمي منذ فترة طويله وأصبح واحد منّا ، لا اعتقد أن عمي كان يقصده كيف لا وهو الذي قدم خدمات جليلة لنا تبدأ من حراثة الأرض وانتهاء بطحن القمح في البابور مرورا بالرجد الى البيدر على (القادم) ثم الدراسة ثم حمل القمح الى البابور واعادته طحين بلدي 100% الى مخازن عمي ، هذا بالاضافه الى عمله في (المقثاه) حيث يستغله عمي في الفتره ما بين الربيع وحتى موسم الحصاد بكافة الاعمال من غير أن يعطيه اية اجازه بل يبدأ عمله في المزروعات الصيفيه عدا عن استخدامه للركوب بدلا من سيارت 3000 سي سي ، وأقسم أنه لا يتقاضى راتبا 300 ين ياباني ولا يحتاج الى اوكتان 95 خالي من الرصاص ولا غيره ، ولا يدرس ابنائه في الجامعه على حساب عمي ، ولا يتقاضى بدل سفر ولا ضيافه ولا مياومات ولا غيره ، لأنه على قناعة ان ما ينجزه قد تقاضى اجره (عليقة تبن وماء) ، ما يحتاجه هو صيغه تفاهم كلامية لا تكلف شيئ ( حاه للمشي و هيش للتوقف ) و عليقة التبن لا يمنّ عليه فيها احد لأنها مما صنعت يداه .في الحقيقة انه اغلى مما يمكن أن نتصوره على قلب عمي.
تقرير مختار عشيرتنا ابو سميح افاد أن ابا وصفي بريء تماما من دم الحمار ، غير أن الحمار يعاني من فرط في الحساسية ، ولم يقبلها من ابي وصفي فاقدم على الانتحار بضرب رأسه بالسلسله الحجرية التي انهارت في الحال ، واضاف في نهاية تقريرة عبارة (والله أعلم) وترك هذا الملعون الحيرة تخيّم فوق رؤوسنا.
رحم الله حمار عمي الذي أنفق عمره في خدمة وطننا الصومال ، دون كلل او تعب ولم ينهق الا لحاجة بيلوجية ،
اذا اردتم ان تشاركونا العزاء في مصابنا الجلل فلنقف 25 ثانيه ونص صامتين دون زيادة أو نقصان من اجله
ولنتر ك النهيق لأهله . فقد كان قمحة في جوف الجائعين .وأقسم باني ساوافيكم بالمعلومات اولا بأول في حال معرفة سبب الانتحار . أو التيس الذي سبق أن تحدثنا عنه.في مقال سابق .