إن دور أي معارضة وطنية في الدول الديمقراطية تهدف من جملة ما تهدف إلى منافسة الحكومات على تقديم الأفضل من برامج ومشاريع وأفكار تصب في مصلحة الدول وتكون مقنعة لشعوبها, كما أنها تعارض الحكومات في سبيل تحقيق ذلك, وكلما كانت المعارضة قوية ومنظمة وفعّالة, كلما كانت الفائدة أعم وأنضج على الوطن والمواطن, تماما كما هو حال التنافس بين التجار فعندما يستأثر أحد التجار بالسوق فإنه يتحكم بالأسعار بشكل مطلق فلا يرحم أحدا, لكن عندما يدخل السوق تاجرا آخرا منافسا فهنا تبدأ عملية استرضاء المستهلكين من عروض ومغريات, إلا إذا اتفقوا وتوافقوا فهنا تكمن الكارثة؟!
كما أن المعارضة تجسّد دور الرقيب الحقيقي على سياسة الحكومات إذا ما خرجت عن جادة الصواب وانحرفت عن خطها الوطني, ومن هنا فالمعارضة الوطنية تعد صمام أمان للدول والشعوب وحتى للحكومات الوطنية أنفسها التي تحرص على وجود مثل تلك المعارضة لا إقصائها وخنقها كما تفعل حكومات الدول النامية لتسرح وتمرح وتعيث في الأرض فسادا, ووجود هذه المعارضة الحية هو دليل على حيوية هذا الشعب ووعيه السياسي وحرصه على المساهمة في التغير وبقاء الأفضل دائما, فالمعارضة الوطنية تستمد قوتها من الشعوب الحية التي تساندها بكل قوة ليس لأنها معارضة وحسب, بل لأنها تمثل نبضها وهمومها وتعكس صورتها الحقيقية عند أصحاب القرار السياسي.
في الأردن ومع الأسف المعارضة الوطنية الحية والمنظمة والفاعلة والمقنعة للمواطنين غير موجودة, وحتى الأحزاب المعارضة الموجودة على الساحة لا تمثل أي ثقل سياسي لدى المواطن العادي, وفشلت جميعها في إقناع المواطن الأردني ببرامجها, ولم تكن يوما تمثل قوى معارضة حقيقية ومؤثرة لدرجة أن تطيح بالحكومات الفاسدة, وقوة بعض الأحزاب عند البعض تقاس بضعف الأحزاب الأخرى الموجودة, وهو قياس غير دقيق وسليم؛ لأن مقياس القوة لأي حزب هنا يجب أن يكون بقوته على الأرض وبين الجماهير وقدرته على تحريك الشارع الأردني من الشمال إلى الجنوب ويُرغم الحكومة على اتخاذ قرارات ومواقف وتغير سياسات, وهو ما لا يملكه أي حزب قائم في الأردن مع كل احترامي وتقديري لهذه الأحزاب, إلا أن هذا هو الواقع مع كل أسف, بل إن في الأردن شخصيات وطنية مستقلة لها تأثير وشعبية على المواطنين أكثر من عدة أحزاب مجتمعة, وهذه الحقيقة يجب أن تعيها هذه الأحزاب وتبحث بكل جدية عن الأسباب لمعرفة الخلل والعمل على علاجه لتحظى شيئا فشيئا بكسب ثقة الناس وتوسيع القاعدة الجماهيرية لها, وأن لا تقتصر كما تفعل بعض الأحزاب والتيارات الوطنية على اختيار نخبة معينة ذات مواصفات عالية الجودة من أثرياء وأصحاب مناصب ووصوليين بعيدين كل البعد عن الوطن والمواطن ويسعون للمكاسب الذاتية وزيادة النفوذ وينادون بشعارات زائفة بعيدة عن هم الوطن والمواطن.
وعلى الشخصيات الوطنية ( المستقلة ) والتي تحظى باحترام الشارع الأردني على اختلاف توجهاته أن تترك الاستقلالية في المعارضة وأن تقوم بتشكيل حزب سياسي أردني يلبي طموحات الشارع الأردني بكل تركيبته البشرية, وأن تنهي حالة المعارضة الفردية المقتصرة على إصدار البيانات في كل مناسبة وهم وطني, فهي أي البيانات على أهميتها أحيانا إلا أنها غير كافية على تلبية طموحات المواطنين, ولا تمثل معارضة حقيقية للحكومات, إن وجود مثل هذه الشخصيات التي آثرت الاستقلالية في المعارضة, أو اعتزال العمل السياسي على رأس هذا الحزب سيدفع المواطنين إليه أعضاء منتسبين, أو داعمين ومؤيدين لثقة الناس بهذه الشخصيات وثقلها السياسي والفكري, عندها ستنشط الحركة السياسية في الأردن بكل تأكيد وسيُقبل المواطنون على صناديق الاقتراع بكل حماسة, لأنهم سيدركون حينها أن من يمثلهم هم نواب الوطن لا نواب الخدمات والاستجداء, أو نواب التجارة والأعمال, حينها ستعم الفائدة وتنحسر ظاهرة الفساد والمحسوبية, وتحسب الحكومة ألف حساب قبل أي قرار يمس الوطن والمواطن.
وأخيرا فإن غياب مثل تلك المعارضة القوية, وبقائها مبعثرة وضعيفة هو أحد الأسباب الرئيسة في حالة الفتور السائدة وغياب الحماس لدى المواطن الأردني اتجاه الانتخابات النيابية القادمة؛ لأنهم يعلمون أن المجلس القادم لن يكون أفضل حالا من المجلس السابق العقيم, لذا فقد غاب الحماس, وساد الإحباط وعدم الاكتراث بمن سيجلس تحت القبة, وعلى أي قرارات سيصوتون, وأي مصير لنا سيختارون..؟! وما لكم إلا أن تنزلوا إلى الشارع وتسألوا المواطنين على اختلافاتهم لتعرفوا صدق ما أقول.
rawwad2010@yahoo.com