امثالنا القديمة بما فيها من كلمات بسيطة تضحك روحك الا انها تجسد واقعنا لا محالة، قديما قالوا ( على قد لحافك مد رجليك ) والان تغير فأصبح (على قد قرضك مد رجليك )، فهنا اعلان (قرضك يفرح ولدك)، وهنا آخر (لا تجعل للمستحيل معنى)، وهنا (غير سيارتك على لون بلوزتك) وكأنه - ناقص الطين بله- اما بالنسبة لي نحن في زمن( لا تفكر ولا تحتار انت معنا رح تنهار) .
قديما كنا نعتمد على مثل ( لقمة هنية بتكفي مية ) واليوم لا يوجد اطول من ولائمنا المغطاة بدسم عادات اثقلت كاهل الجيوب ببذخ ارستقراطي مكذوب وملعون الهيئة والكيفية، اصبحنا نمشي على مثل ( اطعم الفم تستحي العين)، حتى رحلاتنا المسماه بالترفيهية اصبحت تطول وتطول لنأكل ونشتري فوق اللزوم، نخرج لنأكل، نعود لنأكل، وننام باكرا فنستيقظ ونأكل، معتقدات أودت بعقولنا للثلاجة.
ترافق فترات حياتنا متغيرات عدة تطرأ على الجميع الا ان ظاهر الارستقراطية الملعونة تفتك بنا على الدوام اصبحنا حتى نستنكر تكرار اللباس في الاسبوع الواحد، فكيف للناس ان يرونا هكذا ويعتقدون اننا فقراء، وكأن الفقر عيب يدين صاحبه بعدم اتقان اللباقة وأصول الاتيكيت.
وفي نفس السياق هتكت الماركات عقول الشباب من ملابس، احذية، عطور، اجهزة ذكية، سيارات، حتى ملابسهم الداخلية لا يصلح لبسها الا من ماركة عالمية، وكأن قيمة الفرد اصبحت بما يرتدي ويملك، لا بما يعقل ليفكر، نحن من اصبحنا اجهزة الكترونية لا ما نستخدمه.
ان ما نصرفه اليوم لا بل ما نسرفه يتعدى دخل الفرد العادي، فالموظف البسيط في اغلب الاحيان دخله يتراوح بين ثلاثمئة الى خمسمئة دينار اردني ولله الحمد ومع هذا نرى انه يصرف ما لا يقل عن اربعة اضعاف الراتب في شكليات سخيفة سيطرت عليه واصبحت ركنا لا تقام بدونه بيوتنا العامرة، فعلا قد اصبح اغلى ما فينا حذاءا يدوس بالطين معانينا .
اشار احد الاعلاميين الاردنيين نقلا عن الصحف البريطانية ان الملكة الام اليزابيث تنتعل حذائها منذ خمسون عاما والذي تطلق عليه اسم ( حذاء العمل ) مع العلم ان الدخل العادي لبريطانيا هو 2,6 ترليون دولار، وهنا نقطة وسطر جديد، لقد كان من دواعي سرورنا كشعب ان نرى المسؤولين الافاضل يسيرون في الشوارع دون موكب فرعوني ملكي يتوجهم كل صباح الى وزاراتهم ودوائرهم ليزيدوا من خيباتنا ومديونيتنا التي تشتكي فقرا من غناهم.
واخيرا ليس بمقدوري القول سوى رحم الله ايامنا القديمة عندما كان للقرش قيمة.