تقول معلومات وزارة الأوقاف أن هناك ثلاثة آلاف مسجد في الأردن من أصل خمسة الاف مسجد لا تستطيع الوزارة ان توفر لها أئمة مؤهلين ،مما يعني أن هذه المساجد تدار من قبل الخدام والمؤذنين ،أما لحل مشكلة توفير الخطباء يوم الجمعة فالوزارة تعمد إلى الاستعانة بأشخاص من المجتمع المحلي،وهذه المعلومات تؤكد خطورة ما يجري في كثير من المساجد ، عندما يتصدى من هب ودب للأمامة والتدريس والخطابة،ولإدارة المساجد ،ففي كثير من الحالات يعاني هؤلاء من تدني المستوى التعليمي والمعرفي وحتى في العلوم الشرعية ،كما يعانون من غياب الثقافة المجتمعية المعاصرة،والانقطاع عن الشؤون الوطنية والعالمية.وتلمس لديهم عدم القدرة على التواصل السليم مع جمهور المصلين،ولا يتقن البعض منهم الدفاع عن أي قضية ،ولا يجيدون تبني أي مسألة أو الترويج لأي فكرة،ولا يحسنون إيصال أي رسالة بشكل واضح وسليم لجمهور المصلين.
ولما كانت أمتنا منذ القرن التاسع عشر تتحدث عن ضرورة الإصلاح وأهميته، وحول أهمية اللحاق بركب الأمم المتقدمة،وراودها الحلم بشيء خيالي يُسمى \"المشروع النهضوي \" فإننا لم نتوصل حتى هذه اللحظة لتحديد هويته وأهدافه ومحدداته وأولياته . ولنا أن نتساءل عن قرون هدرت ونحن في جدل حول كيف نتعامل مع الآخر؟ وحول ماذا نأخذ من الأمم الأخرى؟ وما ذا ندع؟ وفي الوقت الذي كان العالم يقطع فيه أشواطا بعيدة في مسارات النهوض والتقدم ما زالت أمتنا متعثرة في بلورة إجابة شافية على السؤال الأهم الذي طرح قبل قرن ويزيد: لماذا تأخرنا ؟ ولماذا تقدم العالم من حولنا؟
منذ الحملة الفرنسية على مصر 1798ونحن مبهورون بتقدم الغرب،وخائفون منه،معجبون به،وكارهون له، في آن معا ! نريد أن نرقى لمستواه في التقدم ، لكن لا نعرف كيف السبيل؟! ومنذ صدمة علماء أزهرنا الشريف وأعياننا و\"حرافيشنا \" بعلوم الفرنجة ومطبعتهم ومرصدهم ومختبرهم وديوانهم ومدفعيتهم،ونحن في حيرة من أمر هذا المارد الغربي العجيب! نريد منه كل شيء،ولا نريد منه شيئا! لا ندري هل المطلوب أن يتقهقر هو ويتراجع عن تقدمه رأفة بحالنا؟ أم نريد أن نرقي نحن لمستواه؟ ما زلنا في حيرة من أمرنا حول كيف نتعاطى مع العالم من حولنا؟ ومسارات الجدل العقيم تأخذنا إلى حالة سريالية،لا تختلف كثيراً عن حالة أهل بيزنطة،إذ انشغلوا بالجدل حول جنس الملائكة،فيما الجيوش تضيّق الخناق على مدينتهم المحاصرة! فنحن وبالرغم من كل الرزايا والنوائب التي تثقل كاهلنا، مازلنا ننغمس في حالة من الجدل العقيم حول الشكليات،وفي كل مرة نعود لمناقشة أبجديات القضايا التي اشبعت نقاشا وجدلا قبل عقود بل قرون!
بدأنا واليابان السير على دروب \"النهضة\"معاً،فلننظر أين وصل القوم ،وأين مازلنا نجلس!؟ حصلنا على الاستقلال الوطني في العالم العربي في اللحظة نفسها تقريباً، التي حصلت فيها دول جنوب شرق آسيا على استقلالها؛ فلننظر أين تقف النمور الآسيوية،وأين يقبع العرب اليوم!
زُهدُنا في دراسة تجارب التقدم في العالم والتأسي بها أمر مثير للدهشة! فهل يعقل أن يبدي المصلحون والمثقفون العرب عناية بالتجربة اليابانية في مطلع القرن العشرين، وبعدها ندخل في سبات طويل منعنا من الوقوف على أسرار تقدم هذه الأمة وغيرها ! ولعله من المفيد أن نتساءل أيهم اكثر استنارة وتقدما وانفتاحا على العالم الشاعر حافظ إبراهيم الذي تغني بالفتاة اليابانية و بطولاتها في الحرب اليابانية مع روسيا 1904؟
أم الشيخ محمد رشيد رضا الذي دعا قبل قرن تقريباً إلى تجديد (استقلالي كتجديد اليابان...ترتقي به مصالحنا الاقتصادية والعسكرية والسياسية...ونكون به أمة عزيزة،ودولة قوية،مع حفظ مقومات أمتنا)أم طائفة ممن يعيشون بين ظهرانينا اليوم ،وممن يتصدون اليوم للدفاع عن الانغلاق ،وينشدون القطيعة مع العصر ومع العالم، ويحرّمون التواصل مع ( الأمم الكافرة)!! بذريعة حماية الهوية والدفاع عن الذات.
فكرة هذا المقال ولدتها ظروف المعاناة في حضرة خطيب الجمعة ، الذي قرأ من ورقة أعدت على ما يبدو في مطلع ثمانينيات القرن العشرين،كرست لإدانة الانفتاح على الأمم الكافرة،ولتحريم مخالطة المسلم للكافر،وللتحذير من انتشار جهاز الفيديو في بيوت المسلمين! فقد توقف العلم بحسب هذه الخطبة عند اختراع الفيديو، وكأنه لم يصلنا بعد أي من مخترعات ومنجزات ثورة الاتصالات والمعلومات والعولمة بإيجابياتها وسلبياتها !!
Bassam_btoush@yahoo.com