زاد الاردن الاخباري -
كثيرا ما يحدثنا اباؤنا عن اشكال الاحترام التي كانوا يكنونها لابائهم سواء في مرحلة طفولتهم او في شبابهم كأن يخبروننا عن تفاصيل تعاملهم اليومي مع والديهم اللذين كانا يقبلان ايديهم احتراما وتقديرا لهما في كل صباح. وكذلك حرصهم على عدم مناقشتهم في اي قرار يتخذونه الى جانب الحرص على الالتزام باقصى درجات الاحترام في الجلوس او الوقوف امامهم بشكل مهذب
ودائما ما يحدثنا اباؤنا عن مدى الاحترام الذي كانوا يكنونه لأبائهم فلا يجرؤ احد منهم ان يشعل سيجارته امام والده او ان يتأخر خارج المنزل دون الاستئذان منه. او غيره الكثير من التفاصيل التي كانت عماد العلاقة التي تقوم على ركيزة اساسية مبعثها الاحترام من قبل الصغير للكبير والمحبة من قبل الاباء للابناء.
هذه الصور الدمثة التي تمثل بها الكثير من الابناء من الجيل القديم والتي ما زالت الدراما العربية تقدمها لنا من خلال الافلام والمسلسلات يجد البعض منا بان ما تعرضه اصبح جزءا من التاريخ والعادات والتقاليد القديمة خاصة في ظل ما نراه حاليا من نماذج تربوية لابناء لا يقدمون لابائهم اي شكل من اشكال الاحترام.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل اصبحت الاخلاق والقيم ومن اولوياتها احترام الابناء لابائهم تتغير وتتبدل وتأخذ اشكالا مختلفة بين جيل الى جيل كما يحدث في عالم الموضة؟.
ثمة حالات تثير الانتباه حين ترى شابا في مقتبل العمر يصرخ في وجه والدته لمجرد انها تدعوه الى تناول وجبة الطعام قبل خروجه او لمجرد ان تقدم له نصيحة مبعثها خوفها وحرصها على مصلحته.
احترام دائم
ويؤكد احمد العبادي ان احترامه لأبويه لم يختلف منذ ان كان طفلا وحتى بعد ان تزوج وأصبح ربّ اسرة ، واشار الى ان احترامه لوالده ما زال يأخذ شكلا خاصا فهو لا يستطيع ان يدخن امامه ولا يمكن ان يجلس بحضرته الا بكل احترام. وأضاف انه زرع قيم الاخلاق والاحترام في اولاده وحرص على تربيتهم بنفس الطريقة التي تربى عليها.
ولا يذكر احمد انه خالف رأي والديه في أي يوم من الأيام فقد كانوا بالنسبة له القدوة والمثل الأعلى خاصة والدته التي كانت ومازالت اقرب الناس الى قلبه فهو يبوح لها بكل اسراره واوجاعه وحتى مشاكله في العمل وعادة ما تقدم له النصائح التي يأخذ بها ويجدها مناسبة في جميع الحالات بل انه يدين لوالدته بكل النجاحات التي يحققها.
كما تؤكد "رزان سماعنة" طالبة جامعية انها منذ ان كانت طفلة وحتى بعد ان اصبحت الآن في المرحلة الجامعية ما زالت تقبل يد امها في كل صباح وتطلب رضاها قبل ان تخرج من البيت ، واشارت الى ان والدتها حلت محل والدها بعد وفاته واستطاعت ان تقوم بدور الأم والأب في نفس الوقت منذ ان كانوا اطفالا.
وعبرت رزان عن استغرابها واستيائها مما تراه من تصرفات غير مهذبة تصدر عن بعض المقربين منها تجاه والديهم فقد تفاجات قبل شهر بإحدى صديقاتها تصرخ بوجه والدتها بشكل حاد بسبب حرص والدتها عليها وتحذيرها لها من رفيقات السوء والا تضع ثقتها بأي شخص قد ينقلب عليها او يفشي اسرارها وما يترتب على ذلك من معاناة فيما بعد.
وتضع رزان اللوم على الآباء انفسهم الذين يسمحون لأبنائهم بالتطاول عليهم منذ البداية مشيرة الى انها تخاف من مجرد غضب والدتها عليها ولا تتخيل ان تكمل يومها الا ان تطلب رضاها وتتأكد بأنها راضية عنها بل وان تسمع مقولتها التقليدية "روحي الله يوفقك".
الأخ الأكبر
ويقوم الأخ الأكبر عادة بالمهام الاجتماعية التي كان يقوم بها الأب قبل رحيله ويتحمل اعباء الأسرة لكونه الابن البكر الذي يرعى شؤون اخوته ويكون واجهة مناسباتهم الاجتماعية حيث يجد نفسه ملزما بمجاملة الأقارب في افراحهم واتراحهم. ولهذا يشعر "محمود العزة" ان اخاه الاكبر ليس مجرد اخ يفوقه بالسنوات بل انه اب بمعنى الكلمة فمنذ ان تفتحت عيناه على الدنيا كان اخوه الاكبر هو المسؤول الأول والأخير عن كل كبيرة وصغيرة في حياته لدرجة انه عزف عن الزواج من اجل رعايته هو واخوته الثلاثة وقد تكفل بتعليمهم حتى المرحلة الجامعية وكذلك قام بتأمين فرص عمل لهم. وعبر محمود عن حبه الشديد لأخيه "سالم" والذي سمى ابنه البكر باسمه من شدة حبه له واشار الى ان ابنه سالم ينادي عمه بـ "جدو" وهو ايضا يحبه ومتعلق به لدرجة انه وفي كثير من المرات يتركه عنده لعدة ايام خاصة في العطل الصيفية. وعن حبه واحترامه لوالدته اشار محمود الى انه يعتبرها مثله الأعلى في كل شىء وهو لا يجرؤ على اغضابها او مخالفة رأيها في اي امر خاصة وان لديها حكمة ورأيا سديدين رغم انها سيدة بسيطة ولم تكمل تعليمها. ويستنكر "محمود" تصرفات بعض الابناء سواء أكانوا ذكورا ام اناثا ممن يتجرؤون على والديهم في التصرفات او في الالفاظ وقد ذكر بانه وفي احدى المرات لم يستطع منع نفسه من توبيخ احد الشباب الذي كان يعلي صوته على امرأة عجوز بشكل ملحوظ وملفت للانتباه في مكان عام وكانت الدهشة هي ان تلك السيدة لم تكن سوى والدة الشاب النزق.
التربية والاخلاق
الدكتور سري ناصر استاذ علم الاجتماع بالجامعة الاردنية ذكر بان التربية والاخلاق لا تختلف باختلاف الزمن فهي راسخة وثابته انما المشكلة تقع في اساليب التربية الحديثة التي غزت عقول الجيل الجديد الى جانب عدم تفرغ الكثير من الاباء لتربية ابنائهم بالشكل او بالصورة التي اعتدنا عليها والسبب هو انهماكهم في العمل ولهاثهم وراء لقمة العيش وتأمين متطلبات الحياة اليومية لهم ولابنائهم.
واشار ناصر الى ان منظومة القيم التي تحيط بعقول الشباب مختلقة حاليا بسبب كثرة مصادر المعرفة والاتصال وحب التقليد الاعمى للبعض فتحدث القطيعة مع قيم الماضي خاصة وان هناك بعض الشباب وعندما يتجاوزون مرحلة المراهقة الاولى تتكون لديهم قناعة بأنهم وصلوا لمرحلة النضوج ويرفضون تلقى الأوامر او النصائح من اقرب الناس اليهم حتى وان كانت من والديهم.
ولهذا يعتقد ناصر ان الفجوة بين الماضي والحاضر فيما يتعلق بالتربية واحترام الأبناء لآبائهم تكمن في طريقة التربية والتنشئة التي ينتهجها ويفرضها الآباء انفسهم على أبنائهم.
الدستور - جمانة سليم