زاد الاردن الاخباري -
يرى خبراء تربويون أن ضعف القراءة والحساب في الصفوف الثلاثة الأولى، يؤثر سلبا على أداء الطلبة في الصفوف العليا، فيما حذروا من خطورة الترفيع التلقائي، في وقت دعوا فيه إلى ضرورة إخضاع المعلمين لدورات تأهيل مهني للتعامل مع الطلبة بطرق سوية.
وأشاروا إلى أن الترفيع التلقائي يسبب تراخي الطلبة وذويهم في الاجتهاد، لكون الترفيع مضمونا، وبالتالي لا يبذل الطلبة الجهد الكافي للتعلم، بخاصة أن ذويهم لا يشعرون بأهمية دعمهم في هذه المرحلة، مؤكدين أن المطلوب من المعلم أن ينجح في وضع جذور للتفكير الرياضي في عقول طلبة الصفوف الثلاثة الأولى.
وكانت وزارة التربية والتعليم عقدت في أيار (مايو) الماضي امتحانا لقياس مستوى الطلبة في مهارات اللغة العربية والرياضيات لطلبة هذه الصفوف، بعد أن كشف وزير التربية د.محمد الذنيبات قبلها عن أن نحو 100 ألف طالب على مقاعد الدراسة في هذه المرحلة، لا يستطيعون قراءة الحروف العربية أو الإنجليزية، ويشكلون نحو 22 % من إجمالي عدد الطلاب.
وقالت المشرفة التربوية في ادارة التدريب في الوزارة مليحة الدمخ إن نتائج تحليل الامتحان، الذي عقد لـ500 ألف طالب وطالبة، على مستوى المملكة، أظهرت وجود تدنٍّ في تحصيل مهارات اللغة العربية والرياضيات عند طلاب الصفوف الثلاثة الأولى.
وحسب نتائج الامتحان، فإن متوسط النجاح للصفوف الثلاثة الأولى على مستوى المملكة في اللغة العربية بلغ 75.06 %، في حين بلغ متوسط النجاح في الرياضيات للصفوف ذاتها 69.39 %، وأظهرت أن عدد الناجحين على مستوى المملكة في مبحث اللغة العربية وصل إلى 375 ألفا، في حين بلغ عدد الراسبين في هذا المبحث 125 الفا، أما عدد الناجحين في مبحث الرياضيات فبلغ 345 ألفا، وعدد الراسبين 155 ألفا.
من جانبه، يرى وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور إبراهيم بدران، أن هنالك أسبابا رئيسية لهذه المشكلة، في مقدمتها قلة عدد مدرسي الرياضيات، فضلا عن أن المدرسين لا يتلقون التأهيل اللازم قبل الالتحاق في عملية التدريس، ولا يدخلون دورات تأهيل مهني للتعامل مع الطلبة بطرق سليمة.
وتأسيسا على ذلك، فإن الدكتور بدران يؤكد أن من شأن ذلك أن يغيب الخبرة التربوية، لاسيما في تخصص الرياضيات، مبينا أن التأهيل التربوي يتألف من جزأين، عام وتخصصي، فإذا لم يكن المعلم مؤهلا تربويا، وفق هذين الجزأين، فإن قدراته على تطوير إمكانات الطلبة في الرياضيات والحساب ستكون ضئيلة، وبالتالي يلجأ إلى تلقين الطلبة بدون أن يحرك عقولهم باتجاه التفاعل مع الرياضيات بمختلف مفرداتها.
ويشير بدران إلى أن الترفيع التلقائي في الصفوف الثلاثة الأولى يسبب تراخي الطلبة وذويهم في الاجتهاد، لكون الترفيع مضمونا، وبالتالي لا يبذل الطلبة الجهد الكافي لتعلم الرياضيات والمواد الأخرى، بخاصة أن ذويهم لا يشعرون بأهمية دعمهم في هذه المرحلة، موضحا أنه كثيرا ما ينظر الى رياضيات الصفوف الثلاثة الأولى على أنها "بسيطة" لا تحتاج إلى فهم عميق من جانب المعلم وتفهم من قبل الطالب، وبالتالي يغيب مجال التفاعل بين الطرفين.
ويوضح أن المطلوب من المعلم في الصفوف الثلاثة الأولى أن ينجح في وضع جذور للتفكير الرياضي في عقول الطلبة، وإذا لم يتحقق ذلك سيستمر الضعف إلى الأعوام التالية، لذلك نلمس الآن وجود ضعف في الرياضيات والفيزياء كون التأسيس في الأعوام الأولى كان ضعيفا.
كما يلفت بدران إلى ضرورة وجود حوافز خاصة للمعلمين الذين يعملون في مدارس المناطق النائية، حتى لا يعتبروا وجودهم في تلك المدارس مؤقتا، وبالتالي يكون ارتباطهم بالمدرسة والطلبة ضعيفا، الأمر الذي ينعكس سلبا على تحصيل الطلبة.
ويؤكد ضرورة تأهيل معلمي الصفوف الثلاثة الاولى بشكل حقيقي ولمدة كافية بحيث تصل الى 6 أشهر كون التدريب السريع للمعلمين لا يغير شيئا ولا يحقق النتائج المرجوة التي تنعكس ايجابا على الطلبة.
ويشدد على ضرورة معرفة وزارة التربية والتعليم بنقاط الضعف التي يعاني منها الطلبة بشكل مفصل، لافتا الى أهمية ايجاد دليل ارشادي تعده الوزارة ويتم توزيعه على أولياء الأمور ليساعدهم على تدريس أبنائهم في تلك الصفوف.
كما يؤكد بدران ضرورة تغيير فلسفة المناهج بحيث تحث الطالب نحو التفكير والتحليل وليس الحفظ والتلقين، موضحا أنه يجب عدم التسريع بالخطة العلاجية، ويجب ان تكون معالجة نقاط الضعف لدى الطلبة بشكل ممنهج.
ويضيف بدران أن اصلاح الأعوام الثلاثة الاولى ضروري ويجب ان يسير بناء على نتائج دراسة التشخيص، التي تقوم أساسا على المدرسة التي ينبغي عليها الوقوف على نقاط الضعف لدى طلبتها وطرق علاجها، كون السبب يختلف من مدرسة لأخرى، ثم على مستوى المديرية والوزارة وبالتالي تكون لدينا دراسة معمقة تظهر نقاط الضعف وأسبابها.
من جانبه، يقول امين عام وزارة التربية والتعليم الأسبق فواز جرادات، ان الضعف في تحصيل طلبة الصفوف الثلاثة الاولى في مهارات القراءة والرياضيات، يتفاوت من منطقة الى اخرى وأحيانا من شعبة لأخرى في المدرسة ذاتها.
ويعزو جرادات أسباب هذا الضعف الى عدة أسباب، منها عدم إعداد وتدريب المعلمين بشكل كاف للتعامل مع هذه الفئة من الطلبة، لذلك يجب أن يلبي البرنامج التدريبي احتياجات المعلمات، نظرا لأن معظم الصفوف الثلاثة الأولى تدرسها معلمات، ويجب أن يكون البرنامج مستمرا طوال العام الدراسي للتأكد من أن المعلمة أتقنت مهماتها الرئيسية، لافتا إلى أن الأطفال في هذه السن، يكون تفكيرهم محسوسا، وبالتالي يجب أن يتم الإكثار من الوسائل التعليمية الملموسة لدى الأطفال واستخدامها في القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم الأخرى.
ويشير إلى أن غالبية الصفوف الثلاثة الاولى تعاني من اكتظاظ كبير، بحيث أصبحت غير قادرة على تلبية الأعداد المتزايدة من الطلبة لاسيما مع قدوم الطلبة السوريين والعراقيين في الأعوام الأخيرة، الأمر الذي جعله عاملا من عوامل تدني تحصيل الطلبة في هذه المرحلة، لأن المعلم أصبح عاجزا عن تقسيم جهوده على الطلبة بعدالة.
ويؤكد جرادات أيضا ضرورة إعادة النظر في المواد التعليمية والمناهج لهذه الصفوف، بحيث يتم الإكثار من الوسائل الإيضاحية التعلمية، مضيفا: "نحن بحاجة الى وسائل بصرية وسمعية تتلاءم مع المادة التعليمية، فضلا عن تنوع الانشطة في اليوم الدراسي، لأن الطالب يعاني من عبء دراسي في ظل وجود 6 حصص دراسية للمواد العلمية والانشطة اللامنهجية، كما يجب تجديد نشاط الطلبة لهذه الفئة العمرية كل نصف ساعة، كونهم لا يستطيعون التركيز لفترات طويلة من خلال تفعيل الحصص الرياضية والفنية والموسيقية.
ويلفت إلى ضرورة تحويل او ترجمة المواد كالعلوم والتربية الاجتماعية والاسلامية من مواد علمية الى انشطة وممارسات يومية تعود بالنفع على المجتمع.
ويوضح أن ضعف الصفوف الثلاثة الأولى يؤثر على أداء الطلبة في الصفوف العليا، مبينا أن عملية التعليم والتعلم تعتمد على القراءة والكتابة، فإذا لم يحسن الطالب القراءة فإن من شأن ذلك أن يؤثر سلبا على الفهم والكتابة والمهارات اللغوية الأخرى. ويرى أن الرياضيات والعلوم مبنيتان على أساس القراءة والكتابة، وأن إتقانهما يساعد الطلبة في التقدم في الصفوف اللاحقة، لافتا إلى أن الضعف سيستمر إن ما لم تتم المعالجة في وقت مبكر.
من جانبه، يرى الناطق الاعلامي لنقابة المعلمين أيمن العكور أن الخطة التي اعلنتها الوزارة حول امتحان الكفايات لطلبة الصفوف الثلاثة الأولى في اللغة العربية والرياضيات "مخيبة للآمال" باعتراف الوزارة، الأمر الذي يدل على عدم كفاءة الخطط والاجراءات السابقة لمعالجة هذا الضعف.
ويشير العكور الى أن الامتحان يفترض أن يقدم بيانات لاستكشاف واستقصاء مواطن الضعف والقوة ومدى انتشار الأمية بين طلبة الصفوف الثلاثة الأولى، والتوزيع الجغرافي وأثر المناهج وكفايات المعلمين والبيئة المدرسية على هذه النتائج، ذلك أن وجود حوالي 100 الف طالب لا يتقنون المهارات الأساسية هو أمر في غاية الخطورة على نوعية التعليم ومستقبل الطلبة.
ويبين أن ما أوردته الوزارة من إجراءات لمعالجة هذا الضعف البنيوي في النظام التربوي الأردني، تمثل بتغيير مناهج الصفوف الثلاثة الاولى، ووضع دليل تدريبي للمناهج الجديدة، فضلا عن تكثيف زيارات المشرفين للمعلمين، ووضع برنامج علاجي من خلال أنشطة إثرائية لمهارات اللغة العربية والرياضيات، وإضافة ست حصص دراسية الى الجدول الدراسي إلى تلك الصفوف، على أن يكون ذلك ضمن خطة متكاملة تحدد الأسباب بدقة وتربط الصفوف الثلاثة الاولى بما يليها من الصفوف، بعيدا عن أسلوب العلاج المتسرع غير المستند إلى خطة متكاملة وشاملة للنهوض بالتعليم تأخذ جميع العوامل المؤثرة بعين الاعتبار.
ويؤكد العكور ضرورة عقد مؤتمر وطني يشارك فيه أصحاب الرأي والقرار التربوي لمعرفة مدى تأثير العوامل التربوية وغيرها، سواء من حيث المنهاج أو المعلم أو البيئة المدرسية، أو دور الإشراف التربوي، أو الدافعية للتعلم، أو الحالة المادية للأسرة.
الغد