مع بدء موسم عودة الطيور المهاجرة إلى أعشاشها في إجازة سنوية لا تتجاوز مدتها الشهر الواحد وفي أحسن – أو أسوأ – الأحوال الشهرين، تبدأ في سماع عبارات تتردد باستمرار كقرع مزعج على طبلة الأذن من نوعية ( شو هالشوارع ؟ ) أو ( شو هالعيشة ؟ ) أو ( شو هالناس ؟ ) أو (شو هالبلد؟ ) .. وكأنّ أولئك المغتربين لم يعيشوا يوماً في هذه البلد ويجرّبوا شوارعها وعيشتها وناسها ! فجأة تصبح بلد الغربة هي الوطن والوطن هو بلد الغربة ! ويتحوّل الوطن إلى فندق نجمة واحدة لا يتقن فن الفندقة ولا يقدّم أي برامج ترفيهية أو سياحية ترضي السيّاح الكرام ولا يفرش الشوارع بالأسفلت ذي الجودة العالية ويخططها بالأبيض والأصفر في استقبالهم ولا يبني لهم مراكز تسوّق ضخمة ليقضوا فيها أوقات فراغهم ويتحوّل الناس إلى وجوه عابسة لا تعرف الابتسام مرحّبين بأولئك السيّاح الذين يعيشون في بلادهم البديلة عيشة ترف ودلال لا نحظى – نحن المساكين – بها في بلدنا .. لتبدأ إجازتهم بالتذمّر وتنتهي بالتعبير بكل وضوح عن ارتياحهم لدنوّ وقت الرحيل !
أذكر لقاءً أجرته إحدى المذيعات مع الإعلامي الرائع أحمد منصور الذي يقدّم واحداً من أهمّ البرامج الحوارية على الإطلاق على قناة الجزيرة، برنامج بلا حدود وبلا شكّ يتقاضى عليه أجراً خيالياً ويعيش في رفاهية يحلم بها كل مغترب .. وفي معرض الحديث، سألته فيما يخصّ سرّ حبّه الشديد لمصر عمّا يحبّه في مصر، فأجابها..( حتّى الزبالة في شوارع مصر بحبّها)
ليتكم تتعلمون محبّة الأشياء الجميلة في بلدنا، فبكل تأكيد هناك ما هو أجمل من ( الزبالة ) ليحبّ فيها، وإن لم تستطيعوا ذلك، فلتبحثوا لأنفسكم عن أوطان بديلة ولتسعوا للحصول على جوازات سفر وهويات جديدة وأهل وجيران وناس آخرين ..فبلدنا ليست فندقاً وأهلنا ليسوا موظّفي استقبال!