الكاتب : فيصل تايه
مع كل حدث هناك وجهة نظر.. واختلاف وجهات النظر طبيعة إنسانية ينبغي ألا تفسد للود قضية كما نردد دوماً. وإذا كان تضاد وجهات النظر نقمة.. فإن تنوعها نعمة يجب أن نحسن تناولها.
فما وجهة نظري التالية سوى نظرة شمولية متواضعة أملاً من خلالها تحسيناً للأداء الذي يرجاه كل الطموحين إلى نماء الوطن ورفعة .. فأنا اعتبر مؤسستنا التربوية العتيدة التي نحب .. بنية يتفاعل فيها كل التربويين لتتلاقح أفكارهم وآرائهم وخبراتهم لتجتمع بما يصب في مصلحة الوطن .. لأن كل منسوبيها تعنيهم بالتأكيد كل القيم والاتجاهات التربوية التي نصبوا جميعا لتحقيقها .. لأن تلك المؤسسة ليست مجرد كيان مهيكل وفارغ.. بل هي مجموعة من والقيم والمعايير التنظيمية التي توجّه سلوكياتهم وتفكيرهم وتطبعهم بطابعها التربوي المتميز.
وكلما تعمقنا في هذا الاتجاه من الفكر والرؤى .. كلما زاد طموحنا في بلوغ أهدافنا لنرقى إلى الامتياز ومنه إلى النجاح، ومن ثمّ إلى الإرث الذي يجب أن نتقاسمه ليتجسد في ثقافة مؤسستنا التربوية وليصبح جزاً لا يتجزأ من كينونتها .
فرفعة مؤسستنا التربوية.. والتي ننهل جميعاَ منها العطاء المتنامي .. يتطلب منا أن نقف على واقع نستذكر ببعض منحنياته .. ولن يتحقق ذلك إلا إذا تصارحنا وتصافينا وتجرأنا بما فيه المنفعة .. وشخصنا مواطن نتلمس فيها جوانب الخلل إن كان .. أو التقصير إن وجد .. والذي لا يأتي الا مع تزاحم العمل والحماس بغيه الارتقاء إلى الأفضل .. فكل النجاحات التي تحققت هي مفخرة لنا جميعا ولكني هنا أسعى بالتلميح إلى جوانب نتأمل الارتقاء بها نحو الأفضل .. ولنضع أيضا بدائل سليمة مبنية على منهج علمي تربوي مدروس .. مستلهمين من عنصر المعرفة والخبرة المركزية أو الميدانية ما يحقق رفعتنا وتقدمنا .. ويبشر بمستقبل واعد للأجيال القادمة … خاصة وأن الوزارة ماضية قدما في تحديث منظومتها التربوية التي هبت عليها رياح التغيير والتي أفرزت قادة تربويين مشهود لهم في كل الميادين والمحافل التربوية والذين ندعو لهم بالتوفيق على حمل الرسالة والأمانة .. الا انه ما زالت بعض المواقع المركزية بحاجة جادة إلى هيكلة جديدة واختيار قادة تربويين قادرين على توليها بكل همة ومسؤولية وأتمنى ان توفق وزارتنا في اختيارهم كما وفقت في اختيار أصحاب العطوفة الأمناء العامين
أعزائي :
إن اختيار القيادات التربوية من أهم وأخطر العمليات الإدارية وأعقدها على الإطلاق.. فالتربوي القيادي هو من يبني شخصية الغد فهو مخطط للسياسات وموجه للمجتمع.. ومن الضروري جداً وضع المعايير والأسس المناسبة لاختيار القيادي التربوي حتى نضمن بناءً صحيحا لقيادي المستقبل .. من أجل جيل الغد .. ونحاول هنا استذكار آلية اختيار القيادي التربوي من خلال الدراسات والنظريات والمسوحات الميدانية والتي اعتقد جازما أنها ترتبط بثلاثة مسلمات:
• الأولى : أهمية القيادة التربوية في تفعيل جوانب العمل التربوي والتعليمي.
• الثانية : ضرورة وجود آليات علمية وعملية في الميدان التربوي يتم على ضوئها اختيار القيادات التربوية المؤهلة
والقادرة على تسيير العمل التربوي والتعليمي بشكل قادر على التفاعل مع كافة أركان المجتمع الطلابي
الأردني وبما تقتضيه الضرورات التي تحدث التغيير المنشود .
• الثالثة : حاجة الميدان التربوي التعليمي إلى مكاشفة الواقع الحالي وتشخيص المشكلات واقتراح الحلول الآنية
والمستقبلية.
وللتداخل مع هذه المسلمات، واستعراض أبرز التفاعلات الميدانية في هذا المجال يجب التأكيد على الصيغة المنهجية لطرح رؤية تربوية حول القيادات التربوية وطرائق اختيارها وتهيئها، والتي تتمحور في البعدين التاليين:
• البعد النظري: والمتمثل في الأدبيات التربوية.
• البعد الميداني: استقصاء وجهات نظر القياديين حول هذا الموضوع فلا بد من وجود أداة مهمة تستخدم للوصول إلى
الأهداف المرجوة عبر التاريخ العلمي والعملي للموظف .. واستيفاءه شوط الوظيفة المطلوبة .. وتمتعه
بالقيادة التربوية القادرة على استيعاب للفعاليات التربوية.
أن أهمية الموضوع تكمن في أن القيادة التربوية ضرورة يفرضها الواقع التربوي، ولكي تعطي ثمارها لابد من إيجاد ضوابط وآليات علمية مقننة لاختيارها وتهيئتها للأعمال التربوية .
فعلى مستوى القيادات التربوية بواقعها الحالي : هل يوجد آليات محددة لاختيار القيادات التربوية ؟ والتي عادةً ما يتم العمل بها من قبل الوزارة.. سؤال يحتاج إلى إجابات !! ولكن يرى البعض أنها موجودة وفق معايير محددة .. لكنها غير معلنة وغير معروفة في الميدان التربوي. حيث يتم الاختيار بناء على الترشيح المبدئي من قبل المسؤول .. وتزكيات من أطراف أخرى .. أو عقد مقابلة شخصية صوريه للمرشحين في الوزارة عن طريق لجنة متخصصة .. وقد تكون الماضي الوظيفي والمعرفة السابقة عاملان أساسان في اختيار القياديين على مستوى قيادات الصف الأول والثاني ..
وإذا كان هناك ضوابط للترشيح معروفة ، ولكنها لم تعرف على مستوى الميدان التربوي بصفة عامة كما سبق وقلنا ، فهل هي مفعلة تفعيلاً منصفاً ؟. وهل يوجد آلية علمية مقننة لاختيار القيادات التربوية في هذا المجال ؟ ..
وإذا ما طرحنا آلية عملية تقترب من الموضوعية لاختيار القيادات التربوية. فلا بد التنويه إلى مجموعة من التوصيات ..
أهمها ما يلي:
• اقتراح تطوير الضوابط وتحويلها إلى آليات إجرائية وإعلانها في الميدان التربوي حتى تتمكن كل الكفاءات القيادية أن ترشح نفسها ولا يكتفى بالترشيحات الشخصية. فلعلي رصدت الكثيرين من الزملاء ممن خدموا في الميدان تمتعهم بصفات قيادية وكان باستطاعتهم تبؤ مناصب قيادية عليا على درجة من المسؤولية وخدمة قطاع التربية والتعليم بما ينسجم وتطلعات المستقبل مع التركيز بجدية على سجلات الأداء واعتمادها اعتمادا مدروسا ومتابعتها خاصة من يتميزون بسجل حافل من العمل الجاد والمتميز وبالتحديد في النواحي التربوية والقيادية
• استنبات القيادات التربوية في كل مديريات التربية في جميع مناطق المملكة عن طريق اكتشافهم أولاً بواسطة استحداث سجل يسمى سجل القيادات التربوية وإنجازاتهم الإبداعية، والتدريب القبلي والبعدي لتنمية مهاراتهم وتطويرها، والأخذ بمفهوم التنامي الوظيفي )التدرج في المجالات التربوية ) بدءاً من معلم وانتهاء بمنصب قيادي تربوي وتكون مربوطة مباشرة بمن هم أصحاب قرار في المناطق.
• ضرورة إيجاد آليات عمل مدروسة لاستلام مهام القيادة التربوية .. خاصة إذا كان المكلف حديت العهد بمنصبه القيادي الجديد .. وإيجاد منهجية استلام وتسليم بينه وبين من سبقه في العمل والأخذ بالتوصيات التي أفرزتها خدمة وخبرة من سبقه إلى هذا المنصب والتي تمكنه من مواصلة مهامه على نحو من المعرفة والدراية والاستمرارية .. والتماس حالات الضعف والخلل ورصدها .. مع وضع أجندته التربوية الخاصة وفق رؤاه القيادية في سلم أولوياته
.. لذا لا بد لنا من إدراك أهمية اختيار القيادات التربوية لأننا نعي تماماً أهمية التربية والتعليم في تكوين شخصية إنسان المستقبل.. وهذا الإدراك متأصل ومتجذر في ثقافة مجتمعاتنا ووعينا التاريخي والحضاري لذاتنا.. فالتربية هي مسألةٌ مركزية في مواجهة كل التحديات .. كما أن أي فشل في تحقيق أهدافها يعني الفشل في إعداد الموارد البشرية وتنميتها وما يرتبط بها .. حيث يأتي بحالة من العجز الجزئي أو الكلي في النهوض بمجتمعاتنا وتحديثها وتحويلها إلى مجتمعات متطورة ومنتجة.. تساهم وتشارك على قدم المساواة والندية في تطور الإنسانية الفكري والعلمي والاقتصادي.. وفي صياغة وتقرير الخيارات السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية الأساسية على المستوى الدولي.. والمتصلة بالقضايا الإنسانية الكبرى التي تنعكس على مستقبل مجتمعاتنا وأجيالنا.. كما تنعكس على البشرية بأسرها.. في أمنها وسلامها ورفاهها.
وأخيراً دعوني التأكيد على أن المؤسسة التربوية التي تمتاز بثقافة المشاركة في اتخاذ القرارات لا تتميز فقط بأداء أفضل من تلك التي تفتقر إلى هذه الثقافة.. ولكن أداؤها أيضا يتطور وينمو مع مضي الوقت.. مما يظهر علاقة سببية بين ( الأداء-الثقافة ) هذا من جهة.. ومن جهة أخرى فإن تفهّم الثقافة التنظيمية ضروري جدا إذا كانت المؤسسة التربوية ستسّير إستراتيجيا.. فلا يمكن أن ينجح أي تغيير في المهمة.. الأهداف.. الاستراتيجيات والسياسات إذا كان هذا التغيير معارضا للثقافة السائدة في المؤسسة والمقبولة من طرف أفرادها .. علما أن الثقافة التنظيمية قد تكون عاملا مدعّما أو عائقا للتغيير.. هذا الأخير الذي يهدف في الكثير من الأحيان إلى رفع أو تقويم الأداء المؤسسي .
وفقنا الله وإياكم لما فيه خير ورفعه مؤسستنا التربوية
الموقع الالكتروني للكاتب : http://sites.google.com/site/faisaltayeh/home
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com