زاد الاردن الاخباري -
القاهرة (رويترز) - في رأي الكاتب الامريكي جين هيك أنه يمكن "شيطنة أي دين من خلال عدم فهم شرائعه في سياقها الصحيح" وأن الذين يتمسكون بحرفية النصوص من المسلمين والمسيحيين جعلوا من ديانات التوحيد ساحة لصدام عالمي امتد نحو ألف عام.
ويفرق بين الدين وبين الاستغلال السياسي له مستشهدا بما يراه رعاية من أجهزة مخابرات غربية لبعض جماعات الاسلام السياسي منذ انشاء جماعة الاخوان المسلمين في مصر في نهاية العشرينيات حتى قيام تنظيم القاعدة في نهاية القرن العشرين.
ويقول في كتابه (عندما تتصادم العوالم: بحث الاسس الايديولوجية والسياسية لصدام الحضارات) ان "الارهاب" والحملات الصليبية يتساويان في انتقائهما نصوصا من القرآن ومن الكتاب المقدس تتبنى الحرب كعقيدة.
ويضيف "الشرائع التوراتية الخاصة بالسعي لتحقيق الحياة التي تتسم بالتقوى والورع ليست أقل قسوة أو ارهاقا أو تخويفا من نظيرتها القرآنية على نحو يمكن اثباته... معظم الكتب المقدسة تحتوي نصوصا يمكن للعقول غير النقدية أن تسيء تأويلها." ولكنه يتساءل عن كثرة عدد من يسميهم الانتحاريين المسلمين مقارنة بغيرهم من أتباع الديانات الاخرى.
ويحذر من فكرة التعميم فالاسلام ليس كتلة واحدة والعالم الاسلامي يضم ثقافات متعددة والمسلمون يمثلون ربع سكان العالم.
والمؤلف الذي يجيد العربية سبق له العمل خبيرا اقتصاديا في السعودية ويعمل حاليا أستاذا للحكم والتاريخ بجامعة ماريلاند وصدر الكتاب عن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بالامارات ضمن مشروع (كلمة) وتقع ترجمته العربية في 329 صفحة كبيرة القطع.
وترجم الكتاب أحمد محمود وهو مصري ترجم أعمالا بارزة من التراث الانساني منها (طريق الحرير) و (أبناء الفراعنة المحدثون) و (تشريح حضارة) و(مصر أصل الشجرة) و(الاصول الاجتماعية للدكتاتورية والديموقراطية) و(الفولكلور والبحر) و(قاموس التنمية .. دليل الى المعرفة باعتبارها قوة) و(عصر الاضطراب .. مغامرات في عالم جديد) للرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الاتحادي في الولايات المتحدة (البنك المركزي) الان جرينسبان.
ويقول هيك انه من غير العدل القاء اللوم على 1.4 مليار مسلم حول العالم و"أكثر من 200 مليون عربي فيما يتعلق بما اقترفه عدد قليل من المندفعين أيديولوجيا من أعمال تتسم بالحقد" في حين تتطلع الغالبية العظمى من المسلمين الى رؤية مشتركة لعالم تسود فيه "العلاقات الودية" ويتحالفون مع الغرب في "الحرب على الارهاب."
ويرى أن الارهابيين الاسلاميين نسبة ضئيلة وان كانت قوية.
ويستعرض اراء مستشرقين أمريكيين منهم برنارد لويس الذي قال ان الاسلام "دين عسكري" وصمويل هنتنجتون (1927-2008) الذي اعتبر الاسلام "دينا غارقا وسط حدود دموية."
وكان هنتنجتون قال في كتابه (من نحن.... المناظرة الكبرى حول أمريكا) ان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن "حدد بدقة" الهوية المسيحية للولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 .
ويعلق هيك في كتابه قائلا ان هذه الاراء هي تراكمات واثار ثقافة عمرها نحو ألف عام "من الاعلان السلبي الذي وضع بذوره البابا أوربان الثاني الخاص بالحملة الصليبيبة الاولى" مطلقا شرارة الحرب التي جرت بدعوى تحرير القدس من المسلمين.
وتأسست الحروب الصليبية على خلفية خطبة شهيرة للبابا أوربان الثاني بمجمع كليرمون في جنوب فرنسا في نوفمبر تشرين الثاني 1095 قال فيها "يا له من عار لو أن هذا الجنس الكافر المحتقر عن حق المجرد من القيم الانسانية وعبد الشيطان تغلب على شعب الله المختار" داعيا لاسترداد "الارض المقدسة" من المسلمين. وفي العام التالي بدأت الحملات الصليبية (1096 - 1292).
ويقول المؤلف "لبى 150 ألفا من أحسن مقاتلي الرب.. نداء الصليب... بينما كان مسلمو العصور الوسطى يحافظون على المعرفة اليونانية الرومانية ويصيغون الرياضيات والعلوم الاخرى -حيث اخترعت بالفعل الجبر وعلم الفلك وغيرهما من العلوم- أصرت الامبراطورية الرومانية المقدسة المحبة للحرب على تصوير الاسلام على أنه دين السيف."
ويرى هيك أنه بعد ثمانية قرون على الحروب الصليبية أصبح الوقت متأخرا للواقفين "على جانبي الحاجز الثقافي" للاعتراف بحيوية مبادئ الاسلام واسهامات الحضارة الاسلامية عالميا.
ويتساءل عن أسباب ما يسميه ارهاب الشرق الاوسط الحديث مجيبا أن جزءا كبيرا من البنية التحتية الخاصة بهذا "الارهاب" وبواعثه صاغها عملاء الاستخبارات الغربية الساعون لتوظيف الاسلام السياسي المتشدد لتحقيق أهدافهم السياسية والاقتصادية.
فيقول مثلا ان جماعة الاخوان المسلمين في مصر "تم خلقها بتشجيع وتمويل من جهاز تابع لوكالة الاستخبارات الخارجية البريطانية هو ام 16 لمواجهة ظهور النزعة القومية لحزب الوفد في البداية ثم النازية ومن بعدها الشيوعية. وكان ينظر الى كل منها في وقته على أنه تهديد لطموحات لندن الدبلوماسية والمالية في منطقة قناة السويس."
ويرى أن بريطانيا أنشأت "متعمدة ولكن دون تدبر للعواقب جماعة الاخوان المسلمين... على نحو مشابه لتشجيع اسرائيل لحماس ( حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية) كقوة موازنة لمنظمة التحرير الفلسطينية التابعة لياسر عرفات (الرئيس الفلسطيني الراحل) واصفا جماعة الاخوان المسلمين بأنها "ارهابية اسلامية ذات رؤية عالمية وأفق اقليمي."
ويضيف أن الاخوان المسلمين بعد محاولتهم "اغتيال (الرئيس المصري الاسبق) جمال عبد الناصر في عام 1954" وتعرف الواقعة بحادث المنشية في مدينة الاسكندرية الساحلية لجأوا الى شبه الجزيرة العربية وتمكنوا من "تحويل العناصر النشاز داخل الحركة الوهابية الاصولية دينيا المعروفة بكونها حركة حميدة الى حركة نشطة سياسيا خبيثة وسرية حيث خلقت بالتالي وسطا أيديولوجيا ملائما لتوالد النزعة الجهادية الحديثة."
ويقول ان وكالة المخابرات المركزية الامريكية "هي التي أطلقت شرارة الجهاد" بحجة طرد الجيش السوفيتي من أفغانستان في نهاية السبعينيات وكانت تلك الاحداث "بمثابة غرفة ولادة للعديد من الحركات الارهابية الشرق أوسطية الحديثة" التي يرى أن العراق حاليا أحد تجلياتها.
ويثبت المؤلف تحذير الرئيس الامريكي الاسبق جون كنيدي القائل ان "من يمتطون ظهر النمر غالبا ما ينتهي بهم الحال في جوفه" ويرى أن وكالة المخابرات المركزية وفرت بنية تحتية ومعدات وتدريبا وغيرها من عوامل أدت في النهاية الى "مولد القاعدة" بزعامة ابن لادن وهو ينتمي الى المملكة السعودية "التي اخترقها الاخوان المسلمون بعمق وهو (ابن لادن) يقرأ ويقتبس أعمال ارهابيها الاكبر سيد قطب (1906-1966)."
ويضيف أن الغرب "لو اطلع على الغيب لاحتاط للامر" اذ ان وكالة المخبارات المركزية الامريكية في علاقتها بتنظيم القاعدة " فاتها تماما الدرس الذي قدمته نظيرتها البريطانية ام 16" قبل نصف قرن.
فيقول ان "تأييد أمريكا لوصول طالبان الى السلطة" في أفغانستان يثبت أن توظيف الغرب للاسلام السياسي سلاح ذو حدين بل يكون أحيانا "مميتا."