بداية, يعتبر الموقف الرسمي الملتزم قولا وعملا في محاربة الارهاب موقفا شجاعا وحاسما. فبينما تتخذ معظم الدول العربية منذ هجمات 11 ايلول في نيويورك مواقف زئبقية في هذه الحرب, فان الدولة الاردنية انخرطت فيها بحماس على مختلف المستويات الاستخبارية والايديولوجية (رسالة عمان) والسياسية.
حتى وقت قريب, كان الانطباع العام عند الاردنيين, ان الاردن ليس طرفاً في مواجهة مباشرة مع القاعدة في افغانستان وباكستان, وان العلاقة الاستخبارية بين الاردن والولايات المتحدة في هذا المجال هي علاقة تعاون فقط. وهذا شيء, وتصريحات وزير الخارجية وبعض المصادر السياسية باننا نقوم »بدور ووجود سيتعزز في افغانستان« في مجال الحرب على الارهاب هو شيء آخر.
واذا كانت المسألة محصورة بالتعاون, فهي ليست محل نقاش, مثل هذا التعاون قائم (امنياً) بين امريكا ومعظم دول العالم بما في ذلك دول عربية منها سورية.
اما اذا كان الاردن يخوض مواجهة وحربا مفتوحة في النطاقين الاقليمي والدولي, نكون كبلد في موقع تعامل استراتيجي شامل يتطلب تجنيد الطاقات الوطنية كافة وتوظيفها لخدمة هذه المعركة وهو ما يفرض وضعها على مائدة العمل الوطني انطلاقاً من الاعتبارات التالية:
(1) ان اتساع رقعة المواجهة مع الارهاب الممتدة من افغانستان حتى شواطئ المحيط الاطلسي الغربية يعطيها طابع المواجهة الواسعة التي تستدعي تعبئة وطنية بتوفير المعلومات حولها في الخطاب السياسي والاعلامي كما يحدث في الولايات المتحدة وبريطانيا .. الخ.
(2) تدل جميع المؤشرات ان المواجهة مع القاعدة هي حرب مفتوحة قد تمتد عقدا او عقدين من الزمن.. فبعد 10 سنوات من الحرب الامريكية عليها في افغانستان, ثبت ان نهايتها لا تزال بعيدة, في وقت تشير الدلائل الى نمو وانتشار اذرعة القاعدة في المنطقة والعالم, وهو ما اظهرته العملية الفاشلة التي كان عمر فاروق النيجيري ينوي تنفيذها بطائرة مدنية فوق مدينة ديترويت الامريكية.
واذا كانت جميع الاستخلاصات من الحرب الامريكية والناتو في افغانستان وباكتسان تؤكد بانه لا يمكن كسب هذه الحرب بالقوة العسكرية وحدها, فان هذا الاستخلاص ينسحب على مواجهة الارهاب في كل مكان بما في ذلك الاردن.
(3) لانها معركة مفتوحة, فان مفاجاءاتها تكون دائما غير محسوبة, ومثال ذلك ما اثارته عملية خوست, التي نفذها طبيب اردني وهزت السي.اي.ايه والدوائر السياسية والاستخبارية في البيت الابيض والكونغرس. وهو ما نقل العلاقة الاستخبارية بين الولايات المتحدة والاردن الى العلن وساحة الجدل في واشنطن, وقد رافق ذلك طروحات وتساؤلات عن حاجة امريكا والغرب لهذه العلاقة.
اما الجانب الاخر من اثارة هذه العملية اعلاميا واستخباريا وتأثيراتها السلبية على استراتيجية الاردن ضد الارهاب, فمن المؤكد انها تستوجب رفع درجة الحذر والاستعداد الامني الاردني. لان التغطية الاعلامية الواسعة في الولايات المتحدة وباقي دول العالم لعملية خوست وما دار في الصحف من جدل حول العلاقة الاستخبارية بين واشنطن وعمان في مجال التعاون ضد القاعدة في افغانستان. يقود حتما الى خلاصة مؤداها: ان الاردن وُضع في مكان قريب جدا من الولايات المتحدة في ساحة المواجهة الساخنة مع القاعدة وهو ما يتطلب زيادة اليقظة الامنية وتعميم مفهوم الامن الشامل الذي يشارك فيه المواطن لمواجهة اي عمل ارهابي وافشاله قبل حدوثه.
(4) مع فتح الملفات, اثر عملية خوست, وما تلاها من مقتل اردني آخر عضو في القاعدة هو محمود زيدان في قصف للطائرات الامريكية في باكستان. نجد انفسنا كدولة ومواطنين, امام حقيقة وجود ثقوب واسعة داخل مجتمعنا, تسمح لوباء الارهاب ان يتسلل ويُنظم وينطلق. فمن انتحاري (الحلة) في العراق, الى الزرقاوي, ثم العبسي في مخيم البارد شمال لبنان الى همام البلوي, وقائمة اسماء اخرى طويلة, نجد ان هناك ما يكشف عن وجود بيئات تُنبت الارهاب, بعضها مسؤولة عنه انظمة السجون, والبعض الاخر سياسي واجتماعي واقتصادي.. الخ
مرة اخرى, مطلوب خطاب سياسي شديد الوضوح يجيب على التساؤل حول دورنا (العالمي) في محاربة القاعدة. هل هو مجرد تعاون استخباري. أم انه استراتيجية مواجهة شاملة?.
ذلك ان كل اجابة تفرض دوراً ومهمات وطنية تتناسب معها.