ادلى رئيس الوزراء سمير الرفاعي لوكالة الانباء الاردنية باول حديث صحافي موسع بعد قرابة شهر على تشكيل حكومته. اهمية الحديث الصحافي تكمن في انه شامل ومطول كشف عن طريقة الرئيس في التفكير ومواقفه من مختلف القضايا خاصة ما يتعلق بالشأن الاقتصادي والسياسي الداخلي.
لم تأت اراء الرفاعي مخالفة لتكهنات المراقبين بشأن الهوية الاقتصادية والسياسية للرئيس الجديد وجاءت التوقعات مطابقة تقريبا لما قاله في المقابلة الصحافية فهو محافظ في السياسة وليبرالي في الاقتصاد وتلك هي السمة العامة للحكومات الاردنية المتعاقبة في العقد الاخير.
في رده على الاسئلة المتعلقة بالوضع الاقتصادي يبدو الرفاعي طليقا ويملك تصورا مرحليا واضحا سواء فيما يتعلق بالسياسات والاجراءات, يسهب في تحليل المشكلة الاقتصادية بكل تجلياتها. ويبدي انحيازا واضحا لدور القطاع الخاص, بحكم موقعه السابق ويتفهم المشكلات التي يواجهها ويقدم تصورا عمليا لمعالجتها.
ويفكر الرفاعي ببرنامج اقتصادي »وطني« للسنوات الثلاث او الخمس المقبلة »محدد الاهداف والغايات« ويركز بشكل خاص على ضبط العجز "بنسب معينة لا يجوز تجاوزها". والمشكلة هنا لا احد يضمن استمرار حكومة الرفاعي 3 او 5 سنوات لتطبيق هذا البرنامج. واظهرت التجربة الحية ان الحكومة الجديدة لا تلتزم ببرامج وخطط سابقتها, والتغييرات التي تجريها حكومة الرفاعي على الموازنة والبرامج الحكومية السابقة خير دليل. وسبق ان تعهدت الحكومات بضبط العجز والمديونية غير انها لم تلتزم ولم تحاسب على خرقها قانون الموازنة والبيان الوزاري, فكل حكومة تسعى لحل مشكلتها وان تطلب ترحيل الازمات لمن يأتي بعدها. الرفاعي التزم ان لا يفعل ذلك وتعهد بـ "طي صفحة ترحيل الاستحقاقات او الاعتماد على المهدئات والحلول السهلة" وهذا موقف يستحق الثناء.
عندما ينتقل الرفاعي للحديث في باب الاصلاح السياسي يبدو ميله واضحا للاتجاه المحافظ فيتجنب الدخول في التفاصيل كما فعل في الموضوع الاقتصادي ويكتفي بالاستفاضة في عرض البديهيات عن "توسيع المشاركة" وابراز المنجز الديمقراطي. والحاجة "للتدرج والسلاسة" في الاصلاحات. يقترب اكثر من العناوين, لكنه يظل في خانة العموميات عندما يتحدث عن قانون الانتخاب مثلا, يركز على الهواجس والمخاوف وهذا امر مشروع لكنه لا يطرح مقاربة لتعديل القانون "تحقق الغايات المنشودة" كما قال وتراعي "الخصوصية الاردنية" واعتباراتها. اعتقد انه كان على رئيس الوزراء ان يكون اكثر وضوحا في هذا الجانب ويتناول موضوع الخصوصية بتفصيل حتى لا يتحول الى حساسية تعيق تطوير القانون. كما ان سعي اقلية قليلة الى فرض اصلاحات تهدد ثوابت الدولة ومصالحها العليا ينبغي ان لا يتحول الى كابوس يعرقل حركتنا نحو المستقبل او ذريعة لبقاء الحال على ما هو عليه فالاغلبية الساحقة من النخب السياسية والرأي العام تؤمن بالاصلاح المتدرج ولا تقبل الانقلاب على الذات.
ومن يطالع مقابلة الرفاعي يلاحظ بسهولة ان نية الحكومة تتجه لترحيل الانتخابات المحلية الى ما بعد "النيابية" فقد اشار الرئيس بوضوح الى ان موعدها "سيقر في ضوء استكمال جميع الاجراءات اللازمة بالشكل الصحيح".
ما تبقى من حديث عن المسيرة الديمقراطية والتحديث والاصلاح الدائم وتنمية الحياة الحزبية مجرد "حشوة" في الخطاب الرسمي لا تتردد كل الحكومات عن استخدامه.