حكاية جميلة هي بمثابة درس عملي في كيفية التصدي لمصاعب الحياة واجتراح بدائل أكثر جدوى من مجرد السخط والتذمر والشكوى وشتم الحظ العاثر، وهي بكل المقاييس قصة مثيرة للزهو والإعجاب، بثتها وكالة الأنباء الأردنية (بترا) منذ أيام تدور أحداثها في مدينة المفرق في شمال المملكة، تحديدا في معامل شركة الجزيرة الزراعية في المفرق، تضم بطلات هذه القصة مجموعة من الخريجات الجامعيات، ممن تخرجن منذ أعوام ولم يحظين حتى الآن بفرصة عمل ضمن نطاق تخصصهن الأكاديمي، آثرت تلك الصبايا الجميلات عدم الانتظار طويلا في صفوف العاطلين عن العمل، وكنّ تقدمن بطلبات إلى ديوان الخدمة المدنية للعمل مدرّسات، وما زلن حتى تاريخه بانتظار توفر شواغر في مدارس التربية والتعليم، ونظرا لمعرفتهن الأكيدة بأن الانتظار سوف يستغرق أعواما طوال، فإنهن لم يتوقفن عن السعي بحثا عن بدائل مؤقتة إلى أن يحين دورهن في التعيين.
فالتحقن بصفوف العاملات في مزرعة دواجن تابعة لشركة الجزيرة الزراعية، وهي شركة رائدة أخذت على عاتقها تشغيل الأيدي العاملة المحلية من أبناء المفرق والمناطق المجاورة، يقمن بسائر الوظائف اليدوية ويعرقن طوال النهار في سبيل توفير لقمة عيش كريمة عزّ تحصيلها في وقتنا هذا، ورغم أن الراتب الشهري لا يتجاوز 180 دينارا، غير أنه يكفيهن شرّ السؤال ومذلة الفقر والبطالة، ويشاركن بقدر استطاعتهن في إعالة أسرهن، ومع ذلك يحلُمن بيوم يرتحن فيه من عناء العمل اليدوي اليومي المجهد، ويستثمرن طاقاتهن فيما تعلمنه في سنوات الجامعة كما هو مفترض.
ولا يخلو الأمر من قصص مشابهة لشبان جامعيين اختاروا النزول إلى أرض العمل بأذرعهم، بعد أن يئسوا من توفر فرص عمل في حقل اختصاصهم، وهي خطوة عملية ولا تخلو من حكمة وتنم عن كرامة وعزة نفس وتحد وطموح بالقياس إلى الخيار الثاني الذي يركن فيه آخرون إلى الانتظار إلى أن يفرجها رب العالمين.
علما أن إجراء كهذا وضمن منطق الغرب هو أمر أقل من عاديّ، وهو السلوك البديهي الذي ينتهجه الشباب من دون أدنى تردد، ذلك أن العمل بغض النظر عن طبيعته يظل قيمة عليا تحظى بالاحترام في تلك المجتمعات المنتجة، في حين ينظر إليها لدينا من منطلق فوقي بغيض اعتمد تصنيفا طبقيا مجحفا لفئة الحرفيين فوضعهم في أدنى السلم الاجتماعي، والحق أن تجاوز ثقافة العيب هو مطلب حياتي بات ضروريا، كي لا يقع شبابنا في براثن الإحباط وخيبة الأمل المبكرة والهروب بالتالي إلى حلول كارثية مدمّرة كتعاطي المخدرات والسرقة والاحتيال وافتعال المشاكل والعنف كوسيلة للتنفيس عن تلك الإحباطات، في ظل واقع تدني فرص العمل في القطاعين الخاص والرسمي قياسا إلى الأعداد الهائلة من الخريجين سنويا.
كان الله في عون شبابنا في زمانهم الصعب هذا، وتحية إعجاب بلا حدود إلى بناتنا الجامعيات في المفرق وهنّ متوجهات إلى عملهن في مزارع الدواجن، كنموذج مشرق في كيفية تفعيل طاقاتنا الإيجابية للفوز بطوق النجاة من الغرق كليا في عتمة الفشل والتراجع والإحباط التي بلا قرار.