لن يحرجنا قيد أنملة أننا ننسق مع الولايات المتحدة في الحرب على الارهاب القاعدي. من لا يتفهم ذلك أو يعيبه على الدولة فغالبا ما يبطن تعاطفا مسبقا مع أيدلوجيا القاعدة وأجندة التنظيمات المتطرفة، ولدينا ارث طويل من سياسة ومنطق التبرئة أوالتبرير للتطرف والعنف درج عليها بوعي أو من دون وعي إعلاميون وسياسيون، ولم ينكفئ هذا النهج عندنا إلاّ بعد جرائم فنادق عمّان.
الأردن كان دائما صديقا وحليفا للولايات المتحدة، لكن هبْ أنّه لم يكن كذلك فالتنسيق الوثيق بين كل الدول يفرض نفسه كضرورة، فالظاهرة الإرهابية ذات طابع أممي تصيب الدول من اقصى الشرق الى اقصى الغرب، وعلى كل حال فالظاهرة ولدت عندنا كعرب قبل غيرنا ونحن صدّرنا ابطالها ونجومها الى دول وسط آسيا من افغانستان الى الشيشان. ومن هو الظواهري قبل ان يصبح شريك بن لادن في قيادة القاعدة؟! أليس زعيم حركة الجهاد في مصر التي افتتحت نهج التفجيرات والمجازر والاغتيالات قبل ان تظهر القاعدة وقبل هجمات 11 أيلول في الولايات المتحدة؟!
بل ان خطّة التحول من الارهاب المحلي ضد الانظمة الى الارهاب الدولي في مواجهة الولايات المتحدة صممت بوعي وثقة كاملة بعوائدها، وجاء التنظير لها مع تهاوي قوة هذه التنظيمات وعزلتها المحلية، فتبلورت النظرية العبقرية بفتح جبهة صراع مع عدو خارجي مناسب لاستعادة الشعبية وهو بالطبع الولايات المتحدة الحليف التاريخي لإسرائيل؟! والحق أنها خطوة لم تنجح فحسب، بل صنعت معجزة وحوّلت العنف والإرهاب الى جهاد يخلب الألباب، ولما كان جهاد الولايات المتحدة هو بالأصل ذريعة فقد عادت القاعدة وأخواتها الى أجنداتها المحلية وبالأساليب ذاتها، بث القتل الأعمى والرعب، ومع الأسف فإن الإنجازات المتحققة من الرصيد الشعبي والديني وفرت مددا لا ينتهي من الانتحاريين.
وقد بلغ خلط الجهاد بالإرهاب الإجرامي الأسود حدودا أسطورية في العراق، والزرقاوي الذي صنع واحدة من ابشع الفصول في تاريخ العراق هو من عندنا، والكثير من القيادات المقيمة في أفغانستان هي من عندنا، وان لم نكن مستهدفين، فليس اقلّ من المسؤولية الادبية والأخلاقية في مكافحتها، لكن هذه العناصرلا تكف ابدا عن الحلم في العودة بإرهابها الأسود إلينا كما فعل الزرقاوي في تفجيرات الفنادق، والحلم بإقامة الإمارات الطالبانية ومن منجزاتها في وزيرستان حيث تسيطر تفجير 180 مدرسة حتى الآن، وهي فجرت مؤخرا حفل تخريج في الطلبة وذويهم. حقا لم يحدث في تاريخ البشرية ان ظهرت حركات بهذه النزعة المفرطة في الوحشية الظلامية.
هي معركة مستمرة فكرياً وسياسياً وعسكرياً، وهي بالضرورة تدور دوليا وأمنيا بالتنسيق مع كل الجهات ذات الصلة. ولنكن واضحين نحن لم نصنع هذه الأولوية، فالإرهابيون هم الذين اختاروا ميادين بعيدة آلاف الكيلومترات عن فلسطين، ثم حين يعودون إلى بلدانهم سعيا لإقامة سلطتهم الظلامية، فلا تعنيهم بشيء فلسطين.