زاد الاردن الاخباري -
الثراء المباغت، واقعة قابلة للحدوث أحيانا، فكم من شخص تبدلت أحواله المادية بين عشية وضحاها، غير أن الأمر غير العادي، هو كثرة الشكوك التي تلاحق مثل هؤلاء الأشخاص، من حسد وأقاويل وشائعات قد تمس الأخلاق أحيانا.
وتزداد الأقاويل، عندما يرتبط الثراء المفاجىء بالبساطة التي يأتي بها المال، فتنطلق إشارات الاتهام والتوقعات، وعبارات من قبيل "لقي كنزا".
وليس من المستغرب، مثلا، ما يشيعه أقارب العشرينية ديمة، حتى قبل الغرباء، حول قصة عثور أهلها على سبع جرار من الذهب، مضيفة أنهم يزعمون أن أهلها، حتى الآن، ما يزالون يلجأون إلى تلك الجرار كلما نفدت النقود.
وعلى الرغم من أن ديمة تعزو أسباب يسر عائلتها المادي، إلى عمل والدها في منطقة الخليج، غير أنها تعجب من مثل تلك الأحاديث التي تثير سخريتها، في الوقت الذي يزعجها عدم إحساس الآخرين بجهد عائلتها، متمنية أن يتغير العرف الاجتماعي حيال من يغير من نمط حياته إلى الأفضل.
ديمة، وهو اسمها المستعار، ليست الوحيدة من تتعرض هي وعائلتها لأقاويل من قبيل أنهم حظوا بـ "كنز سليمان"، إذ ان أبو وائل تعرض قبل ما يزيد على عشر سنوات لحال مشابهة حين ورث عن والدته أرضا في منطقة عمان الغربية، وقيل إنه وجد كنزا وفرّ من المنطقة.
أبو وائل الخمسيني يؤكد أن مثل تلك الأحاديث لا تزعجه، كونها لا تمت للواقع بصلة، موضحا أن المجتمع ينظر إلى من يمتلك مالا بوصفه "مختلسا" أو أنه حصل على المال بطرق غير شرعية، وقد يكون مثل هذا الأمر موجودا، غير أنه يجب أن لا يعمم على الجميع.
أما الستيني أبو عيسى، فلا يستبعد، من جهته، أن يكون جاره الذي كان في وضع يرثى له، قد وجد كنزا تحت أرض داره، مضيفا أن جاره تغيرت أحواله، بين يوم وليلة، وأصبح لديه عمارات وأراض وسيارات، ورفاهية لا تحققها أي وظيفة، ويقول إن جاره "يتعمد إظهار ثرائه المادي بأسلوب حياة جديد، من دون الإفصاح عن السبب، ما يعقد الأمور ويجعلني أفقد عقلي وأشعر أن كنزا قسم له".
ويعلل أبو عيسى موقفه، بأن الأموال التي تأتي من خلال جهد الإنسان، لا يتم صرفها "هكذا، بسرعة الريح"، واصفاً أن جاره لم يعد يتواصل مع محيطه، وأنه اغتر بنفسه كثيرا، وأصبح يتكبر حتى على إلقاء التحية على معارفه.
ارتباطا بذلك، يوضح أستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك د.منير كرادشة، بأنه لا صحة للشكوك حول كيفية ثراء الإنسان، والأمر يعود إلى مردود بعض المهن، التي قد تشبه "الغنيمة"، أحيانا، خصوصا لمن يمتهن أعمالا حرة، كبيع قطعة أرض أو تجارة خاصة، أو عن طريق العمل خارج الوطن.
غير أن كرادشة يعتبر أن الخلل في قضية "التباس" الموضوع، عند بعض المحيطين بالثري، ووصفهم لمن يصبح ثرياً بأنه "وجد كنزا"، يعود إلى كلا الطرفين: نظرة المحيط، والشخص المغتني. فالطرف الأول يصدر أحكامه، من خلال مقارناته وإسقاطاته النفسية، ما يجعله يختلق أسبابا، ومنها قضايا "وجود كنز" و"فك الرصد"، فضلا عن غيرها من الأوهام، وهي نظرة غير منصفة، كونها تظلم أحياناً جهد الآخرين، تحت زعم أنه اغتنى من دون أي مجهود.
وأما بالنسبة للطرف الثاني، وفق كرادشة، فيتحمل هو الآخر جانبا من المسؤولية في ما يشاع، من خلال محاولته إظهار ثرائه، عبر التفاخر، وهذا ما يعزز نظرة المجتمع السلبية له، التي تتهمه بالثراء من دون بذل جهد، أو عثوره على "كنز غير من حاله".
"الفضول المجتمعي لمعرفة الخفايا والأسرار، والخوض في استباحة الخصوصيات الشخصية، يرتبطان في مخيلة المجتمع باختلاق قصص غير واقعية لتبيان معلومة مغلوطة وغير منطقية"، وفق كرادشة.
ويتفق اختصاصي علم النفس د. جمال الخطيب مع كرادشة، في أن مثل تلك الحالات "معزولة"، مضيفا أنها لا تصنف تحت أي مادة في علم النفس، وموضحاً أن المواطنين، كونهم يميلون إلى المفاجآت والأخبار السارة والسعادة السريعة، تتعاظم رغبتهم بسماع مثل تلك الحوادث والقصص، على الرغم من عدم صدقها.
بدوره، يذهب خبير التراث نايف النوايسة إلى أن الأدب التراثي عزز مفهوم وجود كنز يحظى به البعض من دون غيرهم، "كون الأرض مشاعا وخفاياها ملك لمن يقطنها".
ويضيف النوايسة أن الموروث اعتنى بالكثير من القصص التي تتحدث عن الغنى الفاحش ووجود الكنوز، وسجلها في الحكايا التاريخية، ودونها بالأمثال الشعبية، ما كرس عدم التقدير لجهود الآخرين.
وفي السياق نفسه، يذهب اختصاصي علم الاقتصاد الاجتماعي حسام عايش، إلى أنه، وكلما زادت الأوضاع المعيشية سوءا، أصبحت البيئة المجتمعية مهيأة لنمو هالة من الخرافات، ومنها نكران جهد عمل الأفراد بمقولة أنه "وجد كنزا".
الغنى الفاحش عن طريق "الكنز" قد يكون واردا، غير أن التعميم غير جائز، بحسب عايش، الذي يؤكد أن البعض يقتنص الأوضاع السائدة ويؤسس عملا حرا تجاريا، أو مشروعا مربحا، أو ربما يحصل على ميراث عائلي غير متوقع يغير من طبيعة حياته.
وينوه عايش بأن "الكنز" أصبح كلمة تشمل كل طريق يسلكه الشخص للحصول على المال، بأسلوب سهل وغير مشروع، ومن ذلك عمليات الاختلاس وغسل الأموال، والتي بدأت تزداد في الآونة الأخيرة.
كما يشدد كرادشة وعايش على أهمية توعية المجتمع بخلق ثقافة مادية لطرق صرف المال، من خلال تعليم الأطفال في المدارس، وطرق التفكير الاقتصادي، وبناء الثروة بالأساليب الصحيحة، وكيفية التصرف في الموارد.
ومع هذا وذاك، يبقى أبو عيسى يؤكد بأن جاره "وجد كنزا"، نقله من وضع معيشي سيئ إلى ترف يعجز عن وصفه العقل، أما الكنوز فتحتفظ، وحدها بسرها، ولمن أهدت مكنوناتها وسط اختلاط الحابل بالنابل، بين من تفتحت لهم طاقات الأقدار بين ليلة وضحاها، وبين أولئك الموصدة في وجوههم أبواب الدنيا.
سوسن مكحل / الغد