في حقيقة الأمر أصبحت أخجل من نفسي وأنا أكتب عن موضوع الضرائب في بلدنا العزيز الأردن حماه الله من الأعداء والجاهلين، ومصدر الخجل هنا هو أنني أشعر أنني أقلب في صفحات الوجع اليومي للمواطن المسكين، وأضع الملح على جرحه النازف، وأزيد من همومه التي كادت تقتله بل قتلت البعض منه، فإنه يُخيل لي أن الحكومة الرشيدة لا تقرأ ما نكتب ولا تسمع به ولا تلقي له بالا، ولا يصلها أصداء وردود الشارع المقهور من بعض قراراتها المجحفة، فهي تصم آذانها ولا تعير كل ذلك أي درجة من درجات الاهتمام. أصبحنا في بلدنا الغالي نعيش في رعب من شيء اسمه ضريبة، كرهنا حروفها ومعناها وأصبح يوم الثلاثاء يوم ثقيل على المواطن الفقير لأنه يخشى أن يخرج اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي بضريبة جديدة، فالحكومة لديها الاستعداد التام لفرض الضرائب على أي شيء وفي أي وقت، دون مراعاة للفئة الأكثر تضررا إن لم تكن الفئة الوحيدة المتضررة وهي الطبقة الفقيرة محدودة الموارد كثيرة الاستحقاقات فكاهلها مثقل من صنوف متنوعة ومتعددة من الضرائب والالتزامات، وأنا أجزم لو أن هناك جوائز تمنح عن الضرائب وأساليب ابتكارها ومبتكريها لحصلت الحكومة الموقرة على عدة جوائز منها ولكان لها الغلبة والسبق في هذا الميدان. المواطن أصبح يشعر أن حكومته تتفنن وتبدع في فرض الضرائب وكأن جيب المواطن المهترئ هو حقل نفط هذه الحكومة ومصدر رزقها الأول، تركت الحكومة التفكير بالمشاريع الاستثمارية الناجحة ذات المردود العالي الذي يعود بالنفع على الوطن والمواطن، وتناست فكرة البحث عن النفط، وأهملت موضوع اليورانيوم واستغلال الصخر الزيتي، وركزت كل جهودها في الضرائب وكأنها المخرج الوحيد للأزمة، ونقول للمرة الألف بعد المليون أن المتضرر الرئيسي والوحيد هو الشعب الفقير الكادح؛ لأن الغني والمستثمر والتاجر وصاحب المصانع والشركات والمسؤول الحكومي الرفيع محصن ضد نتاج هذه الضرائب بل هو مستفيد منها في الغالب. الحكومة ستفرض ضريبة على مغادرة الأشخاص والمركبات للأردن وذلك تحت مسمى بدل خدمات جمركية، وللمصادفة العجيبة أن قيمة هذه الخدمات مساوي تماما للضريبة التي ألغيت بداية هذا العام، نريد تذكير حكومتنا صاحبة الابتكار الجديد إن كانت ناسية أو متناسية أو لا يهمها هذا الأمر أن أبناء هذا البلد الأغلى على قلوبنا لهم ارتباطات وثيقة ومتشعبة مع دول الجوار وخصوصا فلسطين وسوريا، وأن بعض العائلات مقسمة بين هذه الدول وكانت فرحتها لا توصف بقرار إلغاء الضرائب الذي مكنهم من التواصل العائلي والأسري دون أعباء حالت أو باعدت بين الزيارات وجعلتها موقوفة على المناسبات السعيدة والحزينة والأعياد في بعض الأحيان، فهل يعقل أن نعيد هذه الضريبة ففرحة هؤلاء البسطاء ما زالت وليدة والحكومة قررت قتلها دون رحمة ولا شفقة ولا مراعاة لخصوصية الوضع العائلي ولا الاجتماعي، والمفارقة المضحكة المبكية أن أحدهم قال لي أنه يذهب إلى أهله في دولة مجاورة ويعود مع عائلته وهو لا يصدق أنه لا يدفع ضرائب عنه وعن عائلته، لأن الحكومات ليست متعودة على الإلغاء ولكنها متمرسة وخبيرة بالفرض والإيجاد، أنا موقن تماما أن حديثي لن يقدم ولن يؤخر شيئا، بل إنني كتبت قبل أشهر عندما بدأ الحديث عن إعادة الضريبة بسبب ازدياد عدد المسافرين إلى سوريا وها هي الحكومة تنفذ قرارها غير آبهة بالنتائج، وأنا أكرر عذري للقراء الأعزاء الكرام، وأهنأهم ونفسي على هذه الحكومة التي تغلبت على التكنولوجيا اليابانية ولكن بابتكار صنوف جديدة ومتنوعة وفريدة من الضرائب هنيئا لكم ولنا بها.