زاد الاردن الاخباري -
في تأكيد جديد على أن أوباما لن يستطيع تنفيذ أي من وعوده للعرب والمسلمين بل والعالم أجمع ، كشفت وسائل الإعلام الأمريكية في منتصف يوليو / تموز عن عودة المحافظين الجدد وبشكل أكثر شراسة للمشهد السياسي في الولايات المتحدة رغم الاعتقاد بتراجعهم منذ انتهاء فترة رئاسة جورج بوش الإبن .
ووفقا لما ذكره الكاتب بين سميث في مجلة "بوليتيكو" وأستاذ العلوم السياسية ستيفن وولت في مجلة "فورين بوليسي" ، فإن مجموعة من المحافظين الجدد في أمريكا أسسوا منظمة جديدة هدفها الترويج لأجندة "ليكودية" متطرفة داخل الولايات المتحدة وخارجها بهدف دعم الحكومة الحالية في إسرائيل التي يقودها حزب الليكود .
وأضاف بين سميث وستيفن وولت أن المنظمة الجديدة والتي أطلق عليها "لجنة الطواريء من أجل إسرائيل " ستستهدف الأصوات التي ترى أن إسرائيل باتت تشكل عبئا على أمريكا كما أنها ستضغط على إدارة أوباما والكونجرس بمجلسيه لكي يعكسوا المواقف التي تحبذها لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية "إيباك " وغيرها من مجموعات اللوبي الصهيوني في أمريكا .
ومن أبرز هؤلاء المحافظين الجدد المتشددين : ويليام كريستول وميشيل غولدفارب ونواه بولاك وراشيل أبرامز والأنجليكاني المسيحي اليميني غاري باور .
ويبدو أن المنظمة بدأت نشاطها بالفعل ، حيث استخدمت الإعلانات التليفزيونية لمهاجمة عضو مجلس النواب الديمقراطي جو سيستاك الذي يخوض حاليا منافسة للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل .
ورغم أن سيستاك مناصر قوي لإسرائيل ، إلا أنها هاجمته بسبب رفضه التوقيع على رسالة من إعداد ورعاية "إيباك" ، بالإضافة إلى انتقاده حصار قطاع غزة .
وهناك توقعات بأن المنظمة ستضاعف من وتيرة تحركاتها في هذا الصدد مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس وستمارس مزيدا من الضغوط على المرشحين وعلى إدارة أوباما على حد سواء ، بل إنه ترددت أنباء أن مطالبة أوباما بعد اجتماعه الأخير مع نتنياهو في البيت الأبيض باستثناء البرنامج النووي الإسرائيلي من جهود إخلاء العالم من الأسلحة النووية كان رضوخا لضغوط تلك المنظمة لكي لا يخسر انتخابات التجديد النصفي للكونجرس .
وبالنظر إلى أن "لجنة الطواريء من أجل إسرائيل " تصر على أن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط يجب أن تقام على "النبوءة التوراتية القديمة " ، فإن الأسوأ للعرب والمسلمين على الأرجح لم يقع بعد .
أوباما وبوش
ولعل تخلي أوباما عن إصراره السابق على ضرورة أن توقف إسرائيل كافة نشاطاتها الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وإعلانه أنه لن يمارس ضغوطا أمريكية من أجل تحقيق حل الدولتين يدعم صحة ما سبق ويؤكد أن أوباما يسير على خطى أسلافه ولن يختلف كثيرا عن جورج بوش الإبن .
فمعروف أن استمرار بوش الإبن في الحكم لولايتين ارتبط أساسا بدعمه لإسرائيل ، حيث عرف عنه إيمانه والتزامه الشديد بعقيدة حركة الصهيونية المسيحية التي تتكون من اليمين المسيحي المتشدد والصهيونية المتطرفة وهذا التحالف ناتج عن تطورات متصلة منذ زمن بعيد ، فالاعتقاد بحتمية ظهور "دولة يهودية" في فلسطين كجزء من النبوءة التوراتية لعودة المسيح أمر يعود للقرن السادس الميلادي ، بل إن أول جهد أمريكي للدعوة لإنشاء "دولة يهودية" لا ينسب إلى المنظمات اليهودية بل للمبشر المسيحي الأصولي وليام بلاكستون ، حيث شن بلاكستون عام 1891 حملة سياسية للضغط على الرئيس الأمريكي حينئذ بنيامين هاريسون من أجل دعم إنشاء دولة يهودية بفلسطين ، ورغم أنها لم تسفر عن شيء ، فإن حملة بلاكستون تعتبر الظهور الأول للصهيونية المسيحية في السياسية الأمريكية.
وكان بوش الإبن يوصف بأنه أشبه بـ"الروبوت المبرمج" لتلك العقيدة المتطرفة ، بالنظر إلى أنه كان من النوع الذي لا يدخل في نقاش مع نفسه ولا يمارس التساؤل لكونه ينطلق من مرجعية فكر ديني مطلق ، حيث أن الذين برمجوا الرئيس الأمريكي السابق هم قساوسة الحركة الصهيونية المسيحية ، ولذا لم يكن مستغربا أن يصنف مجتمعات العالم إلى متحضرة وغير متحضرة وخيرة وشريرة وعليها أن تختار أن تكون ضده أو معه.
ووفقا للكاتب الأمريكي جاكسون ليزر فإن بوش الإبن كان يعتبر رئاسته بمثابة جزء من خطة مقدسة واعتقد أنه يعمل بإرشاد إلهي وينفذ إرادة الله ، حتى إنه قال لصديق له عندما كان حاكماً لولاية تكساس :"إن الله يريدنى أن أترشح للرئاسة وأوعز للولايات المتحدة أن تقود حملة صليبية تحريرية في الشرق الأوسط ".
وفي السياق ذاته ، قال الكاتب الألماني غنتر غراس في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" في 8 إبريل 2003 :" الأصولية المسيحية حرضت بالتحالف مع الصهيونية العالمية على الحرب في فلسطين وكانت وراء الحرب على العراق ، هؤلاء الأصوليون يرون أنفسهم مسيرين بقانون القوة المستمد من خارج التاريخ والإرادة البشرية ، ولذلك استطاع بوش أن يتجاهل ما لا يتفق مع معتقداته ويمضي في غيه في طريق الحرب ضد مشيئة الأسرة الدولية بمعزل حتى عن حلفاء أمريكا التاريخيين ، إن بوش أصولي يقحم الله في الوقوف إلى جانبه وبهذا شكل خطراً على بلاده وأساء إلى صورتها".
مسلسل الهدايا المجانية
وبصفة عامة ، فقد وجدت ثقافة كراهية الإسلام المغروسة في تعاليم الصهيونية المسيحية في أحداث 11 سبتمبر 2001 مرتعاً رحباً للتعبير عن تلك الكراهية ولتعميق وتوسيع انتشارها ومن ثم لبناء القرار السياسي الأمريكي عليها ، حيث كان بوش الإبن المطيع في هذا الصدد وتعددت إساءاته للإسلام والفلسطينيين والعرب وبدت مواقفه متسقة مع مواقف إسرائيل وظهر هذا في استهتاره بالأمم المتحدة واللجوء إلى الحرب و توظيف التفوق العسكري لفرض الأمر الواقع على الطرف الآخر ورفض المساعي الدبلوماسية والاستخفاف بالرأي العام العالمي .
فبعد أحداث 11 سبتمبر وقبل غزو أفغانستان أعلن أنه "ملهم من السماء ومكلف بشن حرب صليبية جديدة" وهو التعبير الذي كان يعني ضمنا لكثير من المسلمين حربا مسيحية على الإسلام ، كما وصف المقاومة بالإرهاب وأعطى الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ مجازر وحشية ضد الفلسطينيين العزل ، بالإضافة إلى التغطية على العملية العسكرية التي أعادت إسرائيل بموجبها السيطرة المباشرة على كافة مناطق الحكم الذاتي في الضفة الغربية في العام 2002.
أيضا ، فإن الحرب على العراق واحتلاله من قبل إدارة بوش في مارس 2003 جاء أيضا في إطار مساعي تأمين وضع إسرائيل في المنطقة عبر تخليصها من أحد الأنظمة العربية الذي كانت تعتبره مصدر تهديد لها.
ومنذ فوز حماس بالانتخابات التشريعية في يناير 2006 ، قام بحشد العالم لتجويع الفلسطينيين عقابا على انتخابها إلى أن انتهي الأمر بدق أسافين الخلاف بين فتح وحماس وإشعال الفتنة بينهما .
وفي يوليو 2006 ، أيد إسرائيل في عدوانها البربري على لبنان ، حيث زودها بمئات القنابل العنقودية التي فتكت بأجساد الأطفال والنساء والشيوخ ، وعندما فشلت إسرائيل في القضاء على حزب الله ، تدخل لنجدتها عبر إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال.
تقديس الصهيونية
وفي 15 مايو 2008 ، بالغ بوش في التغزل بالكيان الصهيوني الذي وصفه بأنه "أكثر دولة ديموقراطية في العالم" ، وفي كلمته أمام الكنيست الإسرائيلي بمناسبة الذكرى الستين لقيام إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المغتصبة ، قال بوش مخاطبا الإسرائيليين:" نعلم أن عدد سكان إسرائيل سبعة ملايين نسمة ولكنكم عندما تواجهون الإرهاب ستصبحون 307 ملايين نسمة "، في إشارة إلى عدد سكان الولايات المتحدة الذي يبلغ 300 مليون وأن إسرائيل وأمريكا دولة واحدة ، وفيما يبدو أنه تقديس للصهيونية وهى حركة سياسية متطرفة ، وجه دعوة للإسرائيليين قال فيها :"تعالوا لنعلن الصهيونية هي كلمة الله ، هناك وعد قديم قدم لإبراهيم وموسى وداوود أن تكون إسرائيل الشعب المختار" ، وهو حينها لم يبالغ فقط في تمجيد الكيان الصهيوني وإنما تجرأ أيضا على قدسية الأديان السماوية عندما وصف الصهيونية وهى حركة سياسية متطرفة بأنها "كلمة الله".
والخلاصة أنه لولا بوش ما كانت إسرائيل لتصل إلي إقليم دارفور السوداني الذي يحتوي على ثروات من اليورانيوم والبترول لاحصر لها ، وماكانت لتصل أيضا للصومال وللتطبيع مع بعض الدول العربية من غير دول المواجهة سواء كانت خليجية أو مغاربية ، وكلمة السر في كل هذا هي الحرب على مايسمى بالإرهاب التي دشنها بوش والمحافظون الجدد بعد أحداث 11 سبتمبر وربطت بين المقاومة والإرهاب وأيضا بين الإسلام والإرهاب .
ورغم أن أوباما حاول الإيحاء بأنه مختلف عن سلفه ، إلا أن الحقيقة هي أن السياسة الأمريكية هي ذاتها ، بل إن "لجنة الطواريء من أجل إسرائيل " تعتبر امتدادا لسياسة بوش وتسير باتجاه تطبيق أجندة المحافظين الجدد بالكامل .
محيط