.. يبدو أن المنادين بمقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة يسعون ومنذ لحظة التفكير بالمقاطعة إلى تسجيل موقف سياسي واجتماعي سبق لهم ان سجلوه حبرا على ورق في انتخابات عام 1997 ولم يؤد الغرض منه ، واقصد هنا الحركة الإسلامية بعينها بحيث لم تؤدي تلك المقاطعة إلى نتيجة من شأنها تحسين الظروف السياسية والاجتماعية والديمقراطية في البلاد ، بل ان البلاد سارت إلى الأضعف والأسوأ بسبب الغياب الواضح للصوت المعارض داخل اكبر مؤسسة وطنية ديمقراطية في البلاد ،ودفعت الحكومات المتعاقبة الى اللعب بأريحية على كافة الميادين ، فصدرت قوانين اجتماعية كبلت الحريات ، وصدرت قوانين أباحت بيع الأخضر واليابس على قاعدة اقتصاد السوق وتحرير ألتجاره بسبب غياب قوى سياسية آثرت القطيعة والعزلة ، بل وحرمت المواطن من ممارسة حقه الانتخابي وعزل صوته دون البحث او طرح بديل ألمقاطعة التي نادت بها الحركة ، فسجلت تلك القطيعة للحياة السياسية موقفا أثار الخلاف حتى داخل الحركة ووضع الناس في صورة محيرة لأسباب المقاطعة الرئيس وجدواها والحال على ماكانت عليه حتى اللحظة وما ان كانت تتعلق بشأن داخلي أردني أم خارجي !
السيناريو يتكرر ، والتلويح بمقاطعة الانتخاب يتكرر هذه العام ، والحكومة ماضية في سياستها الإجرائية للانتخابات البرلمانية كما أعلنتها دون أي تعديل وهي تكرر وتتعهد بإجراء انتخابات نزيهة وحرة على مسمع الناس ، والمواطنون ماضون بالترشح والاستعداد للانتخاب في كافة المحافظات ، مما يعني أن الحركة الإسلامية لم تعد معنية بهموم الشارع ومسايرة اهتماماته التي تشير إلى رغبة جامحة بممارسة الانتخاب حتى لو كان لديها تحفظ على القانون والإجراءات التي أعلنتها الحكومة ، فطرح المقاطعة لا بد أن يعني وجود البديل الذي يقنع الناس بجدواه ونجاحه ويفرض الأمر الواقع الذي يدفع الحكومة للتغيير ، وغير ذلك فلا جدوى منها .
لو تابعنا الظروف السياسية والاجتماعية التي عاشتها الحركات الإسلامية في تركيا او غيرها لوجدناها أصعب واقسي من أن تدفع تلك الحركات إلى مقاطعة الانتخابات ، فما شهده حزب العدالة والتنمية في مرحلة ما قبل اردوغان حين تم مواجهة حزب الفضيلة بقيادة اربكان والملاحقات الأمنية التي كان يعاني منها الحزب وقادته وقوانين حل الحزب والتضييق عليه أكثر من مره لم تدفع قادته الى مقاطعة الانتخابات او ألعزله وترك العسكر وحدهم في الساحة يحكمون قبضتهم على الأمور ، بل استمروا بالعمل واستغلال اية مساحة للحرية والعمل السياسي وفضح ممارسات الحكم حتى استطاعوا السيطرة على الرئاسة والحكومة والبرلمان رغم كل القوانين والأنظمة والتعليمات التي كانت تستهدفهم ، وما كان لهم حتى بأقسى الظروف التي عاشوها ان يعزلوا أنفسهم ويقاطعوا الانتخابات لأنها كما يقول الفيلسوف الانجليزي انجلز بركن إنها قطيعة مع الحياة وعزلة عن الجماهير وقتل للنفس ، وهاهو الحزب يقدم أنموذجا ما كان أبدا لأي تظيم إسلامي عربي أن ينجزه ويحققه على مستوى داخلي او خارجي بسبب سعة الأفق وعدم التعامل مع ردات الفعل والاستعجال بالتغيير وعدم الارتباط بأية جهات خارجية تحكم معادلتهم السياسية ، لكننا هنا والحال مختلف ، فأن أحزابنا التي تتعاطى السياسة تبرر مقاطعتها لظروف داخليه بحته لا تستطيع التساوق معها فتلجأ للقرار الأسهل بالقطيعة ومغادرة المسرح تاركة من تتهمهم بالفساد وتخريب البلاد وحيدين على المسرح ، وكأن لسان الحال يقول أن هذه الأحزاب تقاد من قبل مجموعة من المراهقين السياسيين الذين يتعاملون بردات فعل غير ناضجة كلما صدر قانون أو إجراء لا يناسب الحزب من جهة ، او انه لا يناسب المكتب الرئيس خارج البلاد ! ويعتقدون أن المشاركة في الانتخاب تمنح الحكم شرعية ! وتطيل من عمر الحكومات التي نتفق أن عملها مترهل إلى حد كبير وتشوبه قضايا الفساد والشلليه والمحسوبية وانخفاض الأداء والإنتاج ، لكن ليس بالمقاطعة ننجز أهدافنا !! وان كنا مع تلك المقاطعة لو استمعنا اليه فالسؤال هنا ، ما هي الخيارات ( البدائل ) المتاحة للمقاطعة ! ولمن ستخلو الساحة بعد المقاطعة !