في صباح يوم تموزي من صيفنا الهادر بالحب وزواره ومهرجاناته وسلال جنانه والحياة....توجهنا في زيارة عمل نحو شمالنا الأخضر النابض بعطاء الطبيعة وكرم الأرض ...البهي الطلعة كقطوف دالية في أرض الحوش ...المتكيء على أكتاف أودية تتلوى تحاذي قمم جباله والهضاب ...المشرق بوداعة أهله الطيبين الخيرين...حيث لا زالوا ولا زلنا نعشق الأرض ونحب هواها ونغنيها ترويدة أحرار فهي موالنا وعشقنا الآتي.
كانت وجهتنا جرش التاريخ ، الأبية الحضور دوما، الراسخة في عمق المجد، المتربعة فوق أعمدة الشموخ، المتباهية كحوريات سبيلها الواردات على ماءها باستحياء ،المشرئبة بعنقها نحو شرفات القمر تخاطب فينا الألق وتسمعنا قصة عشق وترنيمة كل صباح بأن لا تبتعدوا، فأنا منكم ولكم وأعتابي تنتظركم فلا تطيلوا البعاد والغربة عني ..فانا أفتقدكم كل طالع شمس وكل مغيب لأنني أحبكم وأعشق حضوركم و أشتهيه دوما.
وصلنا مقصدنا بعد مسافة من السحر وفتنة الروح التي استباحت مشاعرنا والقلب، فجمال سحري يمتع ناظريك وهواء عليل ينعش رئتيك وينسيك تعب مدينتنا وشغب الحضارة وضجيج المكان....كان مقصدنا دار المحافظة الجرشية الرابضة على سلم الحياة حيث تطل من هناك على كل جمال الأرض وسحرها تهتف لك أشجار صنوبرها وتحييك سنونوات الوادي وأهلها الطيبين ...هناك لمسنا خطى الحياة تسري في المكان...وأناقة تطل مرحبًة بك منذ أن تعتب الساحات الأمامية، فلا تستغرب مما ترى، فسيدة المكان هي نشمية أردنية يعربية...تحمل بين ضلوعها عشقا للوطن، ولجرش كل ود وحب وهمًة تطوعها لخدمة الأهل والعشيرة ، وهي تفخر بانها أول أردنية تحتل هذا الموقع الإداري الرفيع ...فالمرأة التي تدير العالم بيمينها وتهزه ها هي تقف على شرفة الحكم المحلي لتثبت للجميع بأنها بالموقع جديرة ومهمتها هي تكليف لا تشريف وأنها تصر على أن للمرأة دور قيادي لا بد من أن تتبوأه كل من تستحق، فالمستحقات كثر والمواقع تنتظر، لكن الدور على من يأخذ باليد وأخص بالحديث هنا الحركات النسوية وقطاعاتها المختلفة وقياداتها والمطالبة بالعمل على تأهيل المرأة تاهيلا حقبقبا لا شكليا، وإعطاءها فرصة إثبات الذات، وتمكينها بشكل يقودها لتتبوأ موقعها ومنحها الفرصة التي تستحق لترسخ مكانتها وتترجم جدارتها وتبدع .
تحدثنا لها وبثثناها الهم ونقلنا لها مطالبنا كنساء أردنيات في ضرورة إعادة ألق جرش ومهرجانها العريق، وحاورناها بكل الشجون التي تراودنا والألم لغياب هذا الكرنفال الوطني الأبهى عن حضن المدينة وطمس شعلته التي كانت تصدح في كل صيف معلنة بدء المهرجان...وسمعت منا وتقبلت كل ذلك بصدر رحب...وأكدت على أنها والمهتمين الصادقين المؤازرين وكل الفعاليات الوطنية الغيورة يعملون على ذلك، ومن أجل إعادة إحياءه بما يتناسب ومصالح جرش وأهلها الطيبين بحيث يكون لهم من العوائد نصيب، وكان اللافت قدرة هذه السيدة على إدارة دفة أدارتها بصورة مقنعه...وفرحنا لهذا الإنجاز وتمنينا أن تكون هناك سيدات من أخواتها النشميات المعطاءات في مواقع أخرى منتشرات لتتوازن دفة الوطن ولتخرج المرأة بشرف الى دائرة الضوء المشرق في سماء العمل والخدمة والعطاء.
خرجنا من عند محافظة جرش السيدة رابحة الدباس ونحن نمنًي النفس بعودة مهرجان الحب لأحضان الحبيبة جرش وأيضا بأن نرى مزيدا من نساءنا في مواقع العمل والشرف والإدارة الفاعلة والحكيمة وذهبنا في رحلة قصيرة لننعش القلب ونمتع العين بسحر لا يدركه إلا من يزور شمالنا ويتفحص جماله ويتذوق سحره والخيال.