... استخدمت شعوب العالم في مواجهتها للسياسات الداخلية وأحكام البطش والتنكيل شموع مضيئة وسط ظلام سياسي واجتماعي عانت منه طويلا وسارت بشموعها في شوارع المدن تعبيرا سلميا عن رفض سياسات التجويع أو التقسيم أو الحكم العسكري وأملا في تعديل تلك السياسات الجائرة بحق الشعوب ،، وكانت شعوب تشيلي ونيكاراغوا والأرجنتين وأوكرانيا وغيرها قد استخدمت هذه الوسيلة الجميلة تعبيرا عن رفض كل سياسات الحكم في بلادها ، لكن التاريخ لم يسجل أن شعبا من الشعوب قد سار وسط ظلام الشوارع والمدن وحشود العسكر بحثا عن تحرير أرضه وإعادة المحتل من أرضه او انه رضي بسياسات التجويع والتنكيل التي عاشها لسنين . .
شعوبنا العربية باتت تستخدم مؤخرا هذه \" لأداة الجميلة \" للتعبير عن مختلف مكنوناتها ، فسارت في القاهرة مسيرات شموع للتعبير عن رفض سياسات الحكومة المختلفة ، وفي مواجهة مسلسل الاغتيالات السياسية في لبنان وشهدت الدول كذلك مسيرات مشابهة في تونس والمغرب ، وأخيرا عبر جماعة أنصار 1 في مدينة العقبة عن رفضهم قرار منع دخولهم إلى غزة لكسر الحصار وسار المتظاهرون وسط ظلام المدينة حيث لا احد الساسة في إسرائيل يسمع أو يرى ..
قد نعذر أن يسير الناس بشموع مضيئة للتعبير عن رفضهم جراء سياسات إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني في شوارع أوروبا وأمريكا كما حصل أكثر من مره جراء الحصار الظالم على غزه وسياسات القمع والتنكيل والاغتيالات التي تنفذها الحكومات الصهيونية وذلك سلاح هدفه تنبيه العالم الى ما يواجهه ويعانيه الشعب الفلسطيني هناك ، ونعذر كذلك ان تسير الشموع ضد قرارات اقتصادية حادة تثقل كاهل الناس كما جرى في اليونان و اسبانيا وغيرها ، وقد نسير جنبا الى جنب مع من يطالب بتحسين ظروف الناس والتخفيف عن معاناتهم ، لكننا لا نعذر ونخشى ان تتحول مسيرات الشموع الموجهة والمخطط بشكل ذكي لتكون الوسيلة الوحيدة للنضال او مواجهة إسرائيل وسياساتها التوسعية والإجرامية المختلفة ،اذ تشير التطورات الى استبدال منظمة تحرير تحمل شعار البندقية بسلطة مدنية تحكم بعض المدن في الضفة ، استبدلت المواجهات مع إسرائيل من استخدام البندقية والعمليات العسكرية والانتحارية من كافة حدودها ومن داخلها إلى انتفاضة شعبية حاشده داخل المدن الفلسطينية فقط وكان سلاحها الحجر ، ومن ثم تحول الحجر إلى طاولة مفاوضات مباشره وغير مباشره ، وهاهي جماهير الشعب الفلسطيني تعبر عن رفضها لسياسة الإبعاد بمسيرة شموع في القدس كانطلاقة أولى لتغيير سياسة المواجهة مع الصهاينة وسبقها مسيرة شموع ذكرى الحرب على غزه بداية العام ! وغدا تسير مسيرات أخرى لمواجهة الاحتلال وغطرسته بمسيرات شموع تعبر عن أملها بالخلاص من الاحتلال بتلك الثقافة الجديدة التي ستقابل القتل بالشموع والتهجير بالورد والأزهار التي تلقى على دبابات العدو وجرافات الهدم و التوسع ! ولا ندري أي شكل أخر للمواجهة ستسوقه إلينا الدوائر الغربية والعربية في وقت تتناغم فيه توجهات السلطة الفلسطينية مع تلك المسيرات حيث ترفض العنف وترفض سياسة الإضرابات والمواجهات اليومية وحصر المعركة بالمفاوضات فقط حتى لو طالت خمسين عاما أخرى ما لم تتغير الامزجه والثقافات التي حكمت المرحلة السابقة واتت بأناس وقادة يعرفون عدوهم على حقيقته !
لا اعتراض لدينا على مسيرات الشموع والأزهار إن كانت تتعلق بتحسين ظروف الناس في الدول المستقلة التي تواجه أزمات داخليه قاسية ، ولا ضير منها إن كانت تعبيرا عن رفضها لسياسات الاستيطان والقتل وتوجيه أنظار العالم إليها في أمريكا وأوروبا وغيرها ، أما ان تصبح مسيرات الشموع ثقافة الشعوب المقهورة لمواجهة الاحتلال والقمع والتنكيل وحتى انتشار مظاهر الفساد والترهل والمحسوبية كما الحال في العديد من البلاد العربية وغيرها فذلك ما لا يمكن تخيله او مباركته او حتى لمجرد المشاركة به إن كان يتعلق بالمطالبة بالانسحاب من أراض محتله أو فك حصار عن شعب يعاني منذ سنين ...