.. الحكومة ترى وتشعر ولكنها لا تعترف برفض الناس التوجه إلى المشاركة بالانتخابات النيابية القادمة رغم الأرقام التي توردها للتسجيل والتحويل من دائرة إلى أخرى والذي لم يتجاوز أصلا نسبة أل 20% من مجموع الذين يحق لهم الاقتراع ، والحديث المكثف عن نزاهة وشفافية الانتخابات القادمة لم تؤد غرضها لتلميع تلك الإجراءات وإعادة الثقة للمواطن بعد سلسلة تدخلات وتلاعبان نفذتها الحكومة الحالية ومارستها حكومات سابقة في انتخابات البلديات والبرلمان السابق الذي أطيح به قبل أن يتجاوز نصف العمر ، وبات لسان حال الناس يقول إن قائمة أعضاء المجلس القادم جاهزة منذ اللحظة !
لقد أبعدت الحكومة قسرا وخجلا بعض الرموز التاريخية عن المشاركة الفاعلة بالعملية الديمقراطية القادمة رغم معرفتها أن البعض منهم يملك القدرة على تشكيل كتل برلمانية واسعة وهو خارج القبة ! وزجت كذلك بشخصيات ورموزا رسمية مرغوبة أو غير المرغوبة شعبيا تربطهم علاقات عائلية او شللية مع كبار المسئولين ليتبوءوا غدا المقاعد البرلمانية وسط دعوات حزبية تطالب بالمقاطعة في ضل تلك الفوضى ، وقد أكد لي احد الراغبين بالمقاطعة من أعضاء التيار الإسلامي أن بعض الأسماء المرشحة في بعض دوائر عمان تتمتع بتاريخ كبير من الفساد والرشي وهاهي مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة تبادر لطرحهم كمرشحين وتنتشر إشاعات دعمهم في تلك الدوائر بل والمباركة لهم من اللحظة لاعتمادهم على دعم مماثل حصلوا عليه في انتخابات اخرى ، كل ذلك أثار البعض من رموز وطنية وحزبية وشعبية نتفق أو نختلف معها في التشكيك في هذه الانتخابات والدعوة للمقاطعة ، و المدهش هنا حديث الناس منذ اللحظة عن شخصية رئيس البرلمان القادم الذي بات معروفا للناس منذ اللحظة ! فهي وبلا شك وبسبب تلك السياسات تزج نفسها بهذه العملية وتشير إلى تورطها المباشر بتوجيه تلك الانتخابات والتلاعب بها .
لقد ارتكبت الحكومة ولا زالت مجموعة من الأخطاء والممارسات التي تشير الى ذلك الضعف من جهة والى التورط بهذه العملية الانتخابية من جهة أخرى ، فملاحقة مجموعات من المعلمين الذين استثمروا أجواء البلاد الديمقراطية وعبروا عن مطالبتهم السلمية بمنح المعلمين حقوقهم النقابية المتمثلة بتأسيس نقابة للمعلمين أو المطالبة بتحسين ظروفهم الاقتصادية جوبهوا بإجراءات عرفية شوهت شفافية الحكومة التي تدعيها فقامت بإحالة البعض منهم على الاستيداع قبل بلوغهم سن التقاعد ( إنهاء خدمات ) أو في إجراء تنقلات فسرية جائرة لبعض المعلمين من محافظة إلى أخرى ، وهذا يشير الى ضعف إدارة الحكومة للازمات التي تواجهها في وقت تنادي به بحرية الكلمة والمبادرة والمشاركة الفاعلة ببناء مؤسسات الوطن ، وأما الصمت على التجاوزات التي تتم في معظم البلديات الكبرى ومنها مجلس أمانة عمان فحدث ولا حرج ، والتي باتت مرتعا خصبا ومكسبا وفيرا للراغبين بالترشح من أعضائها لانتخابات البرلمان وما تمنحه تلك البلديات من تسهيلات وتعيينات وخدمات جليلة تساهم بزيادة فرص كسب الأصوات لبعض الأعضاء الراغبين منهم بالترشح ، وبات الأمر مشابه للمال السياسي الذي تحرمه القوانين والحكومات كما تدعي وتتوعد بملاحقته ومحاسبة مرتكبيه ، فما الفرق بين خدمة مالية أو تعيين او تسهيلا يقدم للمواطن في بلدية ما مقابل الحصول على صوته ودعمه للمرشح وبين من يقبض الثمن مباشرة مبلغا من المال !! فأي نزاهة وشفافية تتحدث عنها الحكومات في ضل هذه ألصوره المقيتة لواقع الحال الذي يسبق الانتخابات على صعيد برلماني .
وأما ظروف الناس ومعيشتهم المرة التي يعيشونها فقد أبطئت هي الأخرى رغبة الناس بالمشاركة في العملية الديمقراطية وخاصة بعد سلسلة من قرارات رفع الأسعار وفرض الرسوم والضرائب التي لا يخلو يوما قرارا للحكومة من إقرارها وكذلك الرسوم الضريبية القادمة التي يجري الحديث عنها على فاتورة الكهرباء والمياه بشكل شهري تحت مسميات عجيبة ، ففي ضل تلك الأوضاع من يثق بعد بهذه الحكومة التي تدفع الناس إلى المقاطعة وتوتير العلاقة معهم بفرض تلك الضرائب والرسوم ورفع الأسعار قبل الانتخابات وقبل الشهر الكريم الذي يثقل كاهل الناس بأعباء اقتصادية إضافية