أبو بكر عبد البشايرة السعودي .. شخص تجتمع في شخصه جميع المتناقضات، تظن أنك تعرفه حق المعرفة بعد مرور سنوات ثلاث، ولكن يرتد إليك فهمك خائباً خاسئاً، فإنك ما ازددت به إلا جهلاً، وماحصدت إلا الحيرة واليأس.
إن أردت العلم الشرعي ومظانه فدونك عبد، وإن بحثت عن الحياة وألاعيبها فعليك بعبد، وإن حرصت على الجد فما لك إلا عبد، وإن أحببت أن تُروِّح عن نفسك ساعة فمن غير عبد، وإن أردت أخبار القبائل والعشائر والأنساب ففارسها عبد، وإن هممت أن تسلك أي درب مهما قرب أو بعد، ومهما سهل أو صعب فدليلك عبد.
رجل جمع بين أبي نواس وأبي العتاهية، بين ابن حنبل وبهلول، بين ابن تيمية ولينين، بين الشرق والغرب، بين العلم والجهل، لا يطغى واحد على آخر، ولا يختلط هذا بذاك، حسن التنقل من هنا إلى هناك، لكأنما هو أشخاص في شخص، أو هو شخصية تشظت إلى عشرات.
لطيف، سهل، لين، رقيق إذا كان هادئاً، ريح وإعصار ونار إن كان غاضباً، وسرعان ما ينقلب من حال إلى حال، لكأنما جُبل من أخلاط سحرية، لا يقر له قرار، ولا يطيب له في أي مكان مقام، دائم الحركة، سريع الخطا متقاربها، لكأنه مُطارد من شبح، أو تحسبه يطارد أسداً أو يترصد لثعلب.
إن أردت أن تجالسه في ساعة صفاء، فعليك بمقعد هزاز ليقيك تقلبات الضحك وموجاته، وهزاته وفوراته، لكأنك تغرق في تسونامي من الضحك والقهقهة، توشك أن ترديك أمواجه، أو تهوي بك إلى الأعماق جذباته.
لا يعترف بالحواجز أو السدود، لا يسلم من لسانه أو حركاته أحد، يتحبب للجميع، ويختلس البسمة من شفاههم رغماً عنهم. إن صادفته يوماً فلا بد أن يصيبك منه رشاش من كلام، أو إيماءة أو حركة، فتشعر أنك تعرفه من زمان بعيد، بل قبل أن تولد. يؤمن أنَّ الدنيا زائلة، والتواصل مع الناس ورسم البسمة على شفاههم عبادة، وأنَّ هموم الدنيا لا تنفد، ولا يسلم منها أحد، فلا ينبغي أن نستسلم لها أو نخضع لسطوتها، أو أن نكون لها عبيداً.
رجل لا تأخذ منه حق ولا باطل، يوردك النبع ويرجعك صادياً، يتفلت منك كما الزئبق، يتعبك ويريحك، يضحكك ويرهقك تفكيراً، لا يؤمن بالمسلمات الوثنية، والعادات الرجعية، ولا بالاستسلام المقيت، ولا بأخذ الأمور على عواهنها، شعاره أنَّ الله وهبنا العقل لنوظفه لا لنركنه على الرف، أو لنضعه في سرداب، أو تابوت مغلق. فالتفكير والبحث طريق للهدى والرشاد، وأخذ العلم مغلفاً يوشك أن يورد صاحبه الهلاك.
رجل إذا جلس تصدر، وأعاد للحضور حياتهم وحيويتهم. إذا تكلم لم يبق مجال أو متسع للآخرين إلا أن يسمح أو يعطف. إذا أضحك أدمع، وإذا قهقه زلزل، وإذا أرعد وأزبد فالنجاة النجاة، أو الصمت حتى تمر العاصفة.
سريع الغضب، سريع الرضى، بعيد غوره، وإن بدا سهلاً ميسوراً، كالبحر العميق الساكن، إذا انخدعت به سحبتك أمواجه، وإن كنت حصيفاً، فالسلامة خير ما يرتجي. يوافقك في كل ما تراه، ويطيعك في كل ما تريد، لكأنما تظن أنه انقاد لك وأصبح من أتباعك، ولكنك تدرك بعد فوات الأوان، أنه يخالفك ولا يجافيك، يعصيك ولا يؤذيك، يتذلل إليك لكأنما هو مطية لك، ولكنه يجمح بك ولا يرديك.
هذا غيض من فيض، ونقطة من بحر، ومحاولة للإحاطة، بشخص يستعصي على الإمساك، وجهد المقل لفهم ما لا يفهم، وترسيم ما لا يرسم، وتجميع الماء في غربال، أو حصر الهواء في سلال.
mosa2x@yahoo.com