خلال الثلاثة اعوام السابقة التي رافقت الربيع العربي أُخلِيت الساحة العربية فجأة لكل من يرغب بالتغيير على طريقته الخاصة وسيطرت منظومة المشاعر الانقلابية والثورية على جمهور عريض من المخدوعين ببريق الربيع وفتحت معها شهية جماعات رأت في الفوضى الخلاقة أقصر الطرق للسيطرة على الحكم والامارة وما رافق ذلك من غياب التفكير العقلاني في مقابل العاطفة الثورية حين سقطت انظمة في غضون ايام .
فظّن من يعتقدون انفسهم عرابي الربيع والثورات ان ما جرى في تونس وليبيا ومصر واليمن سيحدث في سوريا وان سقوط الدولة السورية وتهاويها في مستنقع الفوضى والتغيير الدموي مسألة وقت ليس الا .
لم تفلح اموال البترودولار السخية في احداث انقسامات في منظومة الجيش العربي السوري منذ العام 2011 ولغاية الآن كما لم تفلح الفتاوى المُعلّبة (التي تصمت في غزة وتنعق على خراب دمشق ) في تأليف الشعب هناك لتشكيل حاضنة ثورية للطامعين في التغيير رغم الجرعات الكبيرة لأفيون الدين ورغم الميليشيا الاعلامية المُسلّطة على سوريا الدولة الى جانب ميليشيات القتل والتدمير والتقسيم.
وأمام فشل مخططي الثورة هناك كان استيراد المقاتلين من خارج سوريا السبيل الامثل لاستنزاف الدولة السورية او على الأقل فرض الشراكة في القرار الوطني مع النظام الحاكم في سوريا فدخلت رآيات الدم تحمل جنسية ( 87 ) دولة الى الاراضي السورية تحمل التجهيزات العسكرية المتطورة لحسم المعركة سريعاً وأدارة المعركة على نظام المياومة السياسية بلا تخطيط وقائي يضمن على الأقل كيفية التخلص من ميليشيات القتل المتكاثرة هناك بعد اسقاط الدولة في حال تّم لهم ذلك فكانت النتيجة بعد سنوات عديدة تشهد على غباء البعض .
فهاهيَ الميليشيات تنقسم وتتناحر وتتبادل الاتهامات وتخسر معاركها وتتسابق للجلوس على طاولة المفاوضات في موسكو بلا اي اعتراف شعبي ودولي بشرعيتها باستثناء اعتراف الدول المانحة لها فقط , لم تأتي تلك النتيجة بمحض الصدفة بل للركون على التخطيط الامريكي المضطرب وخذ مثالاً على ذلك ما حصل في ليبيا والعراق وافغانستان وكنتيجة ايضاً لادارة الأزمة بحكمة وهدوء في دمشق العاصمة وتحالفاتها الدولية في روسيا وايران .
في الدولة الاردنية التي حاولت بعض القوى الخارجية تجييشها وانهاكها في الملف السوري نظراً لطول الحدود البرية مع سوريا , يقف الاردن على اعتاب خط النار وسط محيط عربي ملتهب بالنزاعات المسلحة .
وعصابات التطرف والغلو على حدوده مع سوريا , فعمان تدرك تماماً بعيداً عن لغة العاطفة ان انهيار الدولة السورية سيعني بالضرورة تقسيم الارض السورية وتنازع السيادة عليها كما في العراق وما يرافق ذلك من ارتدادات امنية خطيرة على الداخل الاردني نظراً لطول الحدود الصحراوية وانتشار الفكر التكفيري مدعوماً هذه المرة بدولة تحميه وتصدره الينا وتنفق لتأليف القلوب والجيوب المال الكثير في وقتٍ ما تزال فيه العراق المحاذية لنا ايضاً مشغولة بآثار التطرف والنزاعات المسلحة .
فبقاء الدول المحيطة بنا آمنة ومستقرة يعني بالضرورة تنامي الاستقرار وقطع الطريق على تجار الأزمات والحروب وتخفيف الظغط على المؤسسة العسكرية والأمنية على الحدود المحاذية علاوةً على أخذ الآثار الاقتصادية السيئة المترتبة على فوضى الاقتتال في سوريا في عين الاعتبار فكم من اتفاقيات تبادل وتصدير وعبور واستيراد تضررت واوقفت نتيجةً لما يدور هناك وعادت بالخسائر المتتالية على خزينة الدولة الاردنية .
اسهمت القضية الانسانية والوطنية للطيار الاردني الاسير لدى داعش في توحيد الشعور الوطني بشكل ملفت للنظر , ونتمنّى على من تبقى من المخدوعين ببريق الربيع الماسوني وشعارات دول الخلافة ودعايات الحرية بعد الفوضى ان يتَعّضوا بغيرهم وليس بوطنهم باعتبار ان مسالة الأمن القومي لدول الجوار مسألة أمن قومي للدولة الاردنية وعامل مهم يزيد من استقرار الاردن دولةً وشعباً ويسهم في اضعاف تنامي الامتداد الفكري لجماعات التطرف الموجودين داخلياً المؤمنين ان راية الخلافة تقوم على دمار انقاض دمشق وبغداد .
جميع الدول وحتى الديموقراطية منها تلجأ لتصدير منظومتها الفكرية لدول الجوار اولاً والعالم ثانياً فكيف الأمر ان سيطرت جماعات التطرف على الارض السورية واستقر لها ذلك بشكل نهائي محاذيةً لنا عبر مئات الكيلومترات من الحدود الصحراوية واستطاعت الاستيلاء على موارد اقتصادية تدعم نشاطها الفكري والتنظيمي والعسكري واستغلال حالة الاحباط والفقر والبطالة للكثيرين من المخدوعين ببريق السيف والثورة .