زاد الاردن الاخباري -
القدس العربي" من بسام البدارين: الحوار الناعم الذي اعقب حوارا خشنا بين رئيس الوزراء الاردني سمير الرفاعي ورئيس تحرير يومية "الغد" المستقلة موسى برهومه يصلح لدراسته كنموذج سياسي يثبت سقوط نظرية الصدر الواسع للحكومة خصوصا في الازمات مقابل سقوط نظرية موازية تتعلق بفهم الاعلامي لاولويات السياسي.
ولان التجاذبات بنعومتها وخشونتها بين ممثل الحكومة وممثل الاعلام المستقل بقيت طي الكتمان بسبب حسابات مصلحية دقيقة وحرجة لا يمكن التوصل لاي قناعة مهنية بخصوص اليات العلاقة المنتجة وطنيا وسياسيا بين الاعلامي والحكومي.
في اللقاء الاول الذي تخللته بعض الخشونة بوجود ناشر صحيفة "الغد" محمد عليان طرح الرفاعي بطريقة قاسية نسبيا سلسلة من الملاحظات على خطاب واداء وبعض مقالات "الغد" بعهد برهومه الذي انبرى بدوره للدفاع بجرعة حماس زائدة عن المقياس المحلي عن خياراته المستقلة مهنيا.
اللقاء انتهى متوترا خلافا للمصالح الحيوية لمالك الصحيفة الناشر عليان الذي بادر لاحقا وبعد عدة ايام لاستغلال اول نقاش داخلي حاد فقرر اقصاء برهومه الرئيس الرابع للتحرير في هذه الصحيفة المميزة والتي اصبحت علامة فارقة في صحافة اليوم الاردنية.
اجتمع عليان بكادر التحريرعلى قاعدة.. اما الصحيفة او برهومه دون اي ايحاء بضغط حكومي وراء الكواليس فغرق الجميع بتاويلات وتكهنات حول صدر حكومة الرفاعي ومقدار اتساعه واجندتها عندما يتعلق الامر بالصحافة وحرياتها، في مرحلة حرجة للغاية لا تحتمل العبث حسب الرفاعي نفسه الذي ينقل عنه القول بان الحكومة ترحب بالنقد وتحتفي به لكن التحريض مسالة اخرى تماما.
في اليوم التالي فقد برهومة شقيقته ففوجئ برئيس الوزراء يزور بيت العزاء لتقديم الواجب في رسالة اضافية بدت ناعمة الى حد ما وقاعدتها.. عظم الله اجركم.. ساهاتفك لنلتقي.
حصل اللقاء بعد يومين وفوجئ برهومه بتسرب معلومة عنه لكن الأهم هو آليات الحوار المهني التي دارت بين رجلين يجلس الاول على كرسي رئاسة الوزراء ويجلس الثاني على كرسي مثقف اقصي من رئاسة التحرير للتو في صحيفة تمثل القطاع الخاص ولا علاقة للحكومة بها.
بطبيعة الحال تقصد الرفاعي اظهار المرونة وتقدم برواية محورها ان الحكومة لا علاقة لها بمسالة اقصاء برهومه لا من قريب او بعيد ولا تتدخل في شؤون المؤسسات الاعلامية في توضيح يحسب بكل الاحوال لصالح الرفاعي.
تقدم الثاني برواية معاكسة تماما وبرزت عبارات فيها مجاملة وعتب واحيانا تبادل للملاحظات واللوم.
في القضية الخاصة وبعيدا عن التفاصيل التي لا يرغب الطرفان بالتعرض لها لم يحصل اتفاق علي رواية مشتركة للحدث، لكن في الاطار العام انطباع برهومه ان الحكومة بدلت نواياها في مسالة احتمال الصحافة والصبر على سقفها.
اما انطباع الفريق العامل في الرئاسة فكان يتركز على ان برهومه الذي تفاهمت معه الحكومة بايجابية وساهم في تغيير الصورة النمطية عن سقف النشر ومهنية العمل الصحفي تسبب بالاذى للحكومة وبرامجها عندما قرر الانزياح وتاسيس مسافة ابعد عن الحكومة ردا على وشوشات صحافيين صنفوا "الغد" في جيب حكومة الرفاعي.
صاحبنا بالغ في الانزياح ـ قال مسؤول في مقر الرئاسة لـ"القدس العربي" - واضاف: لذلك توترت العلاقة فالحكومة تميز بين مقالات محرضة واخرى ناقدة وعلى الجبهة الموازية استرسل برهومه واخرون بالوسط المهني المستقل بتساؤلات حول ما اذا كان النموذج الذي تفضله الحكومات بالعادة يتمثل في تعبيرات صحفية من ذلك الطراز الذي يوحي مثلا بان الشعب يصفق للحكومة وهي ترفع الاسعار.
في العمق الاعلامي المهني ثمة دروس يمكن استخلاصها فما حصل مع برهومه الذي يمكن اعتباره صاحب التجربة الوحيد محليا من خارج العلبة اياها سبق ان حصل مع مالك صحيفته رجل الاعمال محمد عليان عندما اسس محطة تلفزيونية خاصة وحصل على كل الاضواء الخضراء المتاحة في الحيز قبل ان تسقط التجربة برمتها في لحظة حرجة اكتشف فيها بعض المسؤولين ان البلاد غير مستعدة بعد لرصد كاميرات حرة تتجول في الشوارع لتصوير كل شيء وما تريد.
ذلك حصل عندما فرح فريق عليان التلفزيوني خلال استعدادات التدريب بلقطات مصورة لصناديق الاقتراع التي زورها احد المسؤولين عام 2007 اثناء الانتخابات البلدية... لحظتها استعاد اصحاب القرار التنفيذي وعيهم وطلب من عليان اغلاق البقالة ليستخلص الجميع الفكرة وهي .. لسنا مستعدين بعد لهذا النمط من الاعلام.
الثابت الوحيد الذي يمكن استدلاله الآن هو قاعدة اصبحت مفهومة للجميع وتقول .. اي معركة بين التصورين سيخسرها الاعلامي بالضرورة.
تلك القاعدة السحرية هي الاصل في مراقبة التفاعل بين السلطة بأجهزتها وادواتها وبين مؤسسات صحفية يومية عملاقة تخسر يوميا مكانتها لصالح سقف الجرأة والنشر في صحافة المواقع.
ونفسها الاصل في انتاج سلسلة لا متناهية من المبررات التي تسوغ لصناع القرار مضايقة الاعلام والوقوف على المفاصل والتفاصيل وهي مبررات يسمعها الصحافيون خلف كواليس القرار وفي الغرف المغلقة وتنتهي دوما الى نظرية مستقرة في عقلية السلطة تقول بأن الصحافة الحرة تجلب حربا اهلية رغم ان حرية الصحافة قد تحمي من الحرب الاهلية.