بقلم: محمود أبوالرز - السودان
لم يعبأ الإسلام أو يضق يوماً ، على كثرة المختلفين والمخالفين ، بالمعادين والمناوئين وهو الذي تقع الآية الكريمة : \" لا إكراه في الدين\" في صلب عقائده وتشكل وسائل\" أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن \" أدوات منهجه الدعوي الرباني. بل اكتفى القرآن الكريم بتأكيد حقيقة أن من يرتد على عقبيه لن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين. ومن هنا فإن احتفاء بعض الدوائرالكهنوتية والعلمانية المعادية للإسلام والمتحاملة عليه وعلى أهله ببعض مجاهري الردة عن الإسلام من أمثال الصحفي مجدي علام أوالجاسوس مصعب يوسف أمر يثير السخرية والإزدراء!!وقديماً ارتد شخص اسمه \"حنون\" واعتنق النصرانية فما حدا بالشاعر ، في عز تألق الحضارة الإسلامية،إلا أن قال : ما زاد حنون في الإسلام خردلة ولا النصارى لهم شأن بحنون ؟
وأمثال هؤلاء المجاهرين بالردة عن الإسلام لأسباب إغرائية ومادية سفيهة لا تخفى على عاقل ، مهما زاد عددهم وتنوعت عددهم، لا يؤبه لهم ولا يعدون لا في عير الإسلام ولا في نفيره، ولن تجد من بينهم لا عالماً ولا فقيهاُ ولا مفكراُ ولا صاحب قدم أو سابقة في أي علم من العلوم أو شاهد من المنجزات دينية كانت أو دنيوية ؟ هذا في الوقت الذي لا تكل دوائر التنصير والإستشراق والجاسوسية والتزييف الدعائي الهائل ،مكر الليل والنهار، عن بث أعاصيرها الهوجاء عبر كل الوسائل الظاهرة والخفية، لتشكيك المسلمين في عقيدتهم وثنيهم عن الإلتزام بمقتضيات العقيدة ومستلزمات الإيمان:\" يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون\"!
أما المحنة الأنكى في ديار الأسلام ومجتمعاته فهي ابتلاء الأمة بصنفين من المنتسبين للإسلام يجوسون خلال الديار يبثون البلبلة والفتنة ويشككون العوام في وسطية وعدل الإسلام وسماحته حتى مع أشد أعدائه ومناوئيه قال تعالى: \" ولا يجرمنكم شنآن قوم على ان لا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى\" . و الصنف الأول من هؤلاء هم اللبراليون والعلمانيون النافرون عن الإسلام الكارهون لمنهجه وأحكامه ، وتجد سواد هؤلاء يرمون حتى أكثر الملتزمين اعتدالاً وسماحة وانفتاحاً على الآخر بأنهن رجعيون وظلاميون ومتحجرون ومتخلفون ؟ وأشد الأمر غرابة أن تجد بعض يتامى اليسارالمتطرف والشيوعية الإلحادية البائدة يلتقون اليوم تحت مظلة الرأسمالية اللبرالية المعولمة لتسديد سهام حقدهم الأسود على كل مظهر إسلامي حتى لوالتزم وعبر عن نفسه بكل الوسائل السلمية والديمقراطية والحضارية، وما أخبار حرمان المسلمات المحتشمات حتى من حقهن الإنساني في التعليم في بلاد الحضارة والحريات عنا ببعيد؟
ولقد صدق الكاتب النابه جواد البشيتي إذ وصفهم بما فيهم فقال :\" والليبراليون الجدد عندنا ليس فيهم من قيم الفكر ، في السياسة والاقتصاد والثقافة، إلا ما يقيم الدليل على أنهم الظلال; ففي السياسة والثقافة والفكر هم أوتوقراطيون.. شرقيون في الاستبداد فحسب، ليس لديهم من المصالح الشخصية والفئوية إلا ما يجعلهم لجهة علاقتهم بالحقوق الديمقراطية، السجن والسجان والقيود، فالديمقراطية في شريعتهم التي هي كشريعة الغاب في الاقتصاد، هي النفاق الديمقراطي وديمقراطية النفاق \". !
وبالمقابل ابتلي الإسلام والمسلمون يوم الناس هذا بصنف آخر لا يقل شراسة وتعصباً ذميماً عن الصنف الأول لكن في الإتجاه المعاكس. وهؤلاء هم الذين اسماهم المفكر المستنير فهمي هويدي \" حملة التدين المغشوش\" من الغلاة المنغلقين المتشددين في الصغيرة والكبيرة والذين قد لا يدركون جميعاً مقدار التنفير من الإسلام وجسامة الجناية التي يجرونها بسوء صنيعهم على أهله ومحبيه\" وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا\"؟ . ويكفينا أن نستعرض ولو نزراً من أحكام وفتاوى التكفير والتبديع والتفسيق التي يهيلونها بلا انقطاع حتى على أكثر المخالفين لهم أدباً والتزاماً بثوابت الإسلام ، لنرى كيف لا يحتاج الإسلام لأعداء ومخذلين مع تصدر إمثال هؤلاء للتنفير منه والجناية على عقيدته السمحاء وشريعته التيسيرية الغراء: \" يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر\"!
وما أنجع وأشجع هذا النداء الذي وجهه للمنفرين المتشددين الدكتور العكام أحد خطباء الجمعة في فلسطين (فك الله أسرها وأقال عثرتها) إذ نابذهم فقال : \" أيها المنفرون من المسلمين ، أيها المعسِّرون ، أيها المشددون ، يا من أسميتكم بأنكم من يحارب الإسلام بشكل غير مباشر ، يقول عليه وآله الصلاة والسلام كما يروي البيهقي : \" ألا أخبركم بأقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمنازلهم من الله على منابر من نور ؟ قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ويمشون على الأرض هونا وبين الناس بالنصح \" .- أيها المشددون أيها المنفرون أيها القساة أيها المتعنتون ...بالله عليكم حذوا عنتكم واغربوا عنا ،فحسبنا ما نكابد، ولا تفسدوا علينا ما وهبنا ربنا في ديننا الحنيف من فسحة ويسر ...وسعة ورحمة و سماحة-.!
أجل ، إن شئنا أن ننصف الإسلام العظيم من أنفسنا فلا بد لنا ، دون مجاملة أو وجل ، أن نلتزم بالحجة والمحجة في نبذ هؤلاء وهؤلاء على حد سواء ، بأن ندعو للإسلام الوسطي المستنير الذي يعايش العصر بتزكية الانفس وانفتاح العقول على كل علم نافع ودواء ناجع ، التزاماً بأمره تعالى :\" وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا\" :\" واقتداءً بمنهجه عليه السلام : \" بعثت بالحنيفية السمحة\" وامتثالاً لتوجيهه الأكرم لدعاة الحق في كل عصر وأوان:\" إنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين \" !
أما آن لنا ، والحالة هذه ، أن نحرر أنفسنا وعقولنا وسماحة إسلامنا وحضاريته من رهان ومراهنة العابثين و المفترين ومن مواصلة الإرتهان البائس لديماغوجية المتحاملين على دين اليسر والفطرة والسماحة أو لغوغائية بعض الغلاة المتطرفين المحمولين عليه ؟
يقيناُ لن تخلو من الأمانة رقابنا ولن تستقيم أحوالنا حتى ننجو بديننا الحنيف من افتراءات النافرين وترهات المنفرين ونستعيد به وله وجهه الحضاري الوضاء ورسالته الخيرة السمحاء !
قال تعالى: \" من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد \"- صدق الله العظيم. !
malruzz@yahoo.com