إذا سلمنا بأن العاقل هو من يعتبر من أخطاء غيره، وأن الحكيم هو الذي يحكم الأشياء، ويتقنها غاية الإتقان والإحكام، مثلما أشار ابن جرير الى أن الحكيم هو الذي لا يدخل تدبيره خللٌ ولا زلل، فإنني أود أن أجري مقارنة بين حكمة ادارات فرق كرة القدم لا سيما في بطولة كأس العالم العالم الاخيرة، والتي تجلت في قراراتهم التي اتخذوها بعد انتهاء مباريات المونديال، وبين ادارات جامعاتنا بعد صدور القانون المؤقت المعدل لقانون الجامعات الأردنية، وهل ثمة نقاط مشتركة بين الفريقين؟.
لقد أُعجِبنا كثيراً بالروح الرياضية التي يتمتع بها مدربو فرق كأس العالم، والذين اتصفوا خلال المباريات برباطة الجأش، والصلابة، وضبط النفس، بالإضافة الى استمرارية السيطرة على المشاعر والموقف معاً، نصراً كان حالهم أم هزيمة. بل يحصل وباستمرار ما هو أكثر من ذلك، فما أن تنتهي المباريات، حتى يبادر المدرب بتقديم استقالته حتى في حالات الفوز بالبطولة احيانا، كونه قد اعطى كل ما في استطاعته تقديمه لفريقه، فيترك الملعب راضياً مرضياً، همه الوحيد فريقه ومستقبل أمته.
كذلك نجد الآخر الذي أخفق فريقه يسارع هو ايضاً للإستقالة، من غير توان أو تثاقل، ليقينه أن من يتعثر فريقه أو يخفق لا بد له من ترك موقعه، لمن يمكنه اعطاء ما لم يستطع هو تقديمه في فترة ادارته، مع ان الجميع يشهد له بالمحاولة والإجتهاد، يفعل ذلك بروح رياضية عالية، شامخة، واثقة تزيد من اعجاب العالم باسره به، فتتلقفه الدول والمؤسسات من جديد، أما لتكليف جديد أو لتكريم \"هو\" اهل له.
بالمقابل فإن الحال يختلف تماماً في جامعاتنا، ولدى العديد من إداراتها وعلى مختلف مواقعهم، فبالرغم من معانات العديد من جامعاتنا من تعثر مالي، وإداري، وهجرة أعضاء هيئة تدريس تكاد تنهي وجود العديد من اقسامها وربما كلياتها، وفقدان الخطط المدروسة لحاضرها ومستقبلها، والتي تكاد تذهب بها جملة وتفصيلا، ألا اننا لا نزال نجد أن ادارات تلك الجامعات لا تتخيل بأي شكل من الأشكال فكرة ترك الموقع، سواء بقرار جريء ذاتي منها يحفظ ماء وجهها، أو بما فرضه عليها قانون صدر فعلاً واعتبر نافذاً، واعتبر خدمة جميع رؤساء الجامعات ونوابهم والعمداء منتهية حكماً، فلا يزال لسان حالهم يقول أننا باقون ومتشبثون بمواقعنا، لا يهمنا أحد أو تشريع. ألا يعنيهم أن يأخذ الوطن فرصة واعدة مع زملاء لهم؟ ربما يوجد لديهم ما يقدمونه له، ولم تتوفر اصلاً بهم؟ الا يفاجئنا أحدهم بالإستقالة، وينسحب بهدوء، فيقيل نفسه قبل أن يعين بديل له، ويكون بذلك قد قال كلمته بصوت عال ومن دون ان ينطق حرفاً؟ فيُنظَر له نظرة تقدير، كمدرب تنحى لمصلحة فريقه، لا كرئيس معزول؟!
muheilan@hotmail.com