زاد الاردن الاخباري -
صباحات لم تعد تبدأ باحتساء القهوة على الشرفات، ومراقبة العصافير الصاخبة على الأشجار، ولا حتى بزيارات الاطمئنان على الأهل والأحبة، بعد أن استبدل كثيرون تلك الوجوه الدافئة، ببدائلها "الباردة"، على شاشة الحاسوب.
أما الصباح "البديل"، فبات يبدأ عند نسبة عالية من الناس، بتصفح "الفيس بوك"، وتحديدا صفحاتهم الشخصية على هذا الموقع، والتي باتت توصف بـ"الديوانية الافتراضية"، أملا بلقاء "الجميع" من أقارب وأصدقاء ومعارف، ولتبادل الأخبار والقصص والمشاكل التي تواجههم، إضافة إلى مناسبات الفرح والحزن.
وهذا عين ما تفعله العشرينية غيداء لدى وصولها إلى مكان عملها، إذ تبادر، مباشرة بتشغيل جهاز الكمبيوتر الخاص بها، والانتقال إلى صفحتها على "الفيس بوك" لتستعرض مستجدات من يعنيها أمرهم في ذلك اليوم.
ثم تبدأ باستعراض مناسبات أصدقائها ومعارفها الذين يتجاوز عددهم "300" شخص، حسب قولها، لتتأكد إن كان ذلك اليوم يتوافق مع عيد ميلاد أحدهم، حيث تعمل على إرسال عبارات التهنئة الجميلة له، أو تشارك في إرسال صورة لشمعة مضاءة أو قالب من "الكيك".
بهذه الطريقة أصبحت غيداء تتواصل مع أصدقائها منذ عامين، ولم تكن هي الوحيدة التي انتهجت هذا المسار من حياتها، إذ كان للممرض خلدون الموقف ذاته، حين فتح صفحته في "الفيس بوك" وشاهد أحد أصدقائه يضع صورة مولوده الجديد على صفحته، فما كان منه إلا أن أرسل له رسما تعبيريا لوجه ضاحك، وعبارات تهنئة، وتمنيات بأن يكون المولود طفلا بارا به وبوالدته.
ولا تقتصر مناسبات "الفيس بوك" على الفرح فقط، فالطالب الجامعي نادر، والذي يكره مواجهة الآخرين في المناسبات المحزنة، يرى أن الفيس بوك سهل الكثير على هذا الصنف من الأشخاص.
ويقول "لي الكثير من المعارف والأصدقاء على بروفايلي، وأنا دائم التواصل معهم". ويستذكر أنه في أحد الصباحات، حين فتح صفحته الخاصة، وجد أن عمه الكبير توفي صباح ذلك اليوم. فبادر إلى كتابة عبارة تعزية على "الفيس بوك".
وعلى الرغم من هذه المواقف المؤيدة "لخدمات الفيس بوك"، غير أن الأربعيني خالد له رأي مخالف، إذ يعتقد بأن هذه الخدمات تعني أنه، وبعد فترة من الركون إليها، فسوف تئد أي اتصال وجاهي بين الناس والأصدقاء.
كما يرى أن هذه الوسائل التكنولوجية، على الرغم من إيجابياتها في تسهيل حياة الناس، لكنها تنطوي على سلبيات تتمثل بعدم إعطاء المناسبات حجمها وقيمتها، لاسيما وأن هناك عادات جميلة لا ينبغي التخلي عنها.
وتأييدا لهذا الرأي، يقول مدير مركز الثريا للدراسات واختصاصي علم الاجتماع د. محمد الجريبيع "إن كل تطور تكنولوجي له إيجابيات وسلبيات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار".
كما يرى ضرورة عدم التعميم حيال القديم والجديد، فمن إيجابيات "الفيس بوك" أنه عمل على تسهيل الحياة والتواصل بين الأفراد، وحل بدل الزيارات وحتى التليفون، وكان مجالا واسعا للتنفيس عن مكنونات الشخص وما يخالج نفسه من مشاعر.
والجريبيع، يرى، كذلك، أن عدم التواصل الوجاهي بين الأفراد لا يعني أنه ليس لـ "الفيس بوك" تأثير على الفرد، بل يعني أنه حل محل التواصل الروحي، على غرار اللقاء والشعور مع الآخرين، والحفاظ على عادات تربى المجتمع عليها.
وحول لجوء كثير من الناس إلـى "الفيس بوك"، تبين خبيرة التكنولوجيا هناء الرملي، أن هناك العديد من المواقع التي كانت توفر للشخص خدمات كثيرة، ومنها الهاتف النقال، لكن تكلفته المادية والمرهقة على بعض الأفراد، جعلتهم يبحثون عن وسائل أخرى. وما فعله موقع "الفيس بوك" أنه جمع العديد من وسائل الترفيه والخدمات ووفرها لمشتركيه، بكلفة زهيدة، وهذا ما جعل له تلك الشهرة بين الناس، والذين آثروا إسقاط بعض الواجبات والاستعاضة عنها بطريقة سريعة وسهلة وغير مكلفة.
وللخبير الاقتصادي حسام عايش وجهة نظر تبين سلبيات وإيجابيات التهنئة والمواساة عن طريق "الفيس بوك" والذي نعته بأنه "ديوانية افتراضية".
ويشير إلى أن الكثير من الناس تكيفوا مع استعماله، ومنهم من "أدمنوا" عليه وجعلوه متنفسهم الوحيد، من خلاله يلتقون مع معارفهم وأصدقائهم، ما جعل كثيرين يستغنون عن اللقاء الوجاهي.
واقتصاديا، يرى عايش أنه في حال تقبل الجميع هذه الفكرة، فيعني أنهم وفروا على أنفسهم أعباء كثيرة، وهو سلوك من وصفهم بـ"الراشدين".
ويبين أن هناك استثناءات، على غرار عيد ميلاد طفل في العائلة، إذ يحبذ، في هذه الحالة، تبادل الهدايا، لأنها نوع من أنواع التربية، مؤكدا أن تقبل الناس للتهنئة عن طريق "الفيس بوك" يعني أن الناس أصبحوا يدركون أن التهنئة والتبريك لا يقتصران على القيمة المادية، بل يمكن تقبل فكرة الهدية الرمزية ذات القيمة المعنوية الكبيرة.
ديما محبوبه / الغد