حققت الدراما الأردنية لا سيما التلفزيونية - خلال القرن المنصرم - إنجازات كبيرة في مختلف ميادين الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ولعل أحد أسباب هذه التغيرات الكبيرة تكمن في دعم الدولة الأردنية المبكر للحركة الفنية التي بدأت في عقد الستينيات من خلال الدراما الاذاعية والمسرحية والسينمائية ولاحقا التلفزيونية ، لذلك وصلت الدراما إلى هذه الدرجة المتقدمة كما نشاهدها في العقد الأول من القرن الحالي.
ومن المعروف أن انعكاسات انتشار الحركة الفنية على المجتمع الأردني كانت في غاية الإيجابية خاصة على المستويين الاقتصادي والثقافي؛ ففي المجال الاقتصادي كان للدراما الأردنية مساهمة في حركة الاقتصاد من خلال إنشاء البنى التحتية للعديد من المؤسسات الفنية كمرافق انتاجية او معاهد في القطاعين العام والخاص لرفد الحركة الفنية بالمواهب والمهن المساعدة، إضافة إلى توفير فرص العمل.
وكل ذلك أدى إلى تقدم الحركة الفنية لاسيما في عقد السبعينات من القرن المنصرم حيث بدأ خريجين الدراما بالدخول إلى سوق العمل بعد أن انهوا دراستهم الجامعية ليساهموا في عملية التنمية الثقافية و الاقتصادية على مستوى الوطن كله.
من البداهة بمكان أنه لا وجود لفعل مؤثر دون الجماعة، وكذلك لا وجود للاقتصاد دون التكامل الإنتاجي. يقول بريخت: \"إن الجماعة لا يمكن أن تنتج إلاّ أعمالا تحول الجمهور نفسه أيضا إلي مجموعة\".
وحتى نحصل على إنتاج درامي قادر على تقديم عرض يحاكي حقيقة الواقع أو يشاكله أو يقترح بديلا له، أو ينطلق نحو حدود الفضاء اللا متناهي الحدود، لابد من حصوله أولا على تقنية مكتملة، وعلاقات تفاعل بين المبدع مؤلفا والمبدع مخرجا، وبين المخرج والمنتج، بحيث تتكامل جهوده مع الإدارة ومع الفنانين (ممثلين ومصممين وراقصين وموسيقيين,,,,) وتتكامل مع جهود الفنيين لتفعيل علاقته بالوسيلة الاعلامية التي يتعامل معها.
ولا شك أن الإبداع هو الناظم الجوهري لعملية الإنتاج، فكل عمل تلفزيوني درامي يتأسس على المخيلة الإبداعية والخبرات المكتسبة (كاتبا أو مخرجا أو ممثلا أو شاعرا أو مغنيا أو راقصا أو سينوغرافيا أو مؤلفا موسيقيا)، ويقوم الإبداع في الأصل على وجود تصور تخطيطي وتقنيات تبعا لكل فرع من الفروع الإبداعية المكونة للإنتاج النهائي (النص– الإخراج – التمثيل – الديكور - الأزياء – الصوتيات - الإضاءة – المؤثرات السمعية البصرية – الحيل والمخاطر- إكسسوار الشخصية – الإكسسوار المكمل للديكور- المصاحبات الموسيقية).وهذا ما يدفعني للحديث عن المركز العربي والمنتج طلال عوامله في سياق ما ذكرت
استطاعت شركة \"المركز العربي للإنتاج الإعلامي\"، منذ تأسيسها عام 1983 باسم \"المركز العربي للخدمات السمعية البصرية\"، وخلال ربع قرن من العطاء المستمر والمتواصل، أن تفرض حضورها القوي وبصمتها المتميزة على مجمل الإنتاج التلفزيوني العربي، وأرست دعائم ريادتها بإسهامها المباشر في فرض أساليب العمل الحديثة وتقديم العديد من المسلسلات والأعمال التلفزيونية العربية رفيعة المستوى بالأسلوب السينمائي وباستخدام الكاميرا المحمولة.
لقد قطع المركز العربي شوطاً طويلاً في مجال الإنتاج التلفزيوني، ليصبح مع بداية القرن الحادي والعشرين، مؤسسة رائدة في مجالها، تستقطب أمهات المشاريع الدرامية في العالم العربي أجمع. كما حققت من خلال توسيع إدارة اهتماماتها في مجال الأعمال الإنتاجية رفيعة المستوى، إلى زيادة تعاملاتها وتنويع قائمة الخدمات التي تقدمها، ناهيك عن زيادة أنشطتها في مجال الإنتاج التلفزيوني كماً ونوعاً محققة سمعة مهنية مرموقة ترسخت باعتماد أساليب الإدارة العصرية وبالانفتاح على مجالات الإنتاج الجديدة، وما يتطلبه ذلك من مرافق إنتاجية وخدمية متكاملة ومجهزة بأحدث المعدات والأجهزة المعروفة اليوم.
إن الحديث عن شركة \"المركز العربي للإنتاج الإعلامي\" هو بالضرورة حديث عن قصة نجاح تبلورت خلالها سيرة مهنية ضمت ألمع الأسماء والكفاءات الفنية الاردنية والعربية وقائمة طويلة من الإنتاجات التي حصدت أرفع الجوائز.. فانتزع المركز العربي للإنتاج الإعلامي باسم الأردن.. أرفع جائزة عالمية بفوز مسلسل الاجتياح, بجائزة الايمي أورد EMMY AWARDالتي تمنحها الأكاديمية الدولية للفنون التلفزيونية - ولأول مرة في تاريخ الدراما العربية - عن أفضل إنتاج في فئة المسلسلات العالمية الطويلة, في حفل ختام المسابقة في مدينة نيويورك سنة 2008. وبعد هذا الفوز الذي حققه الاجتياح وحاز على إعجاب لجان تحكيم الجائزة الأرفع في العالم، لا بد وأن تهتم جميع المؤسسات الرسمية والأهلية بالدراما الأردنية وتقديم كافة اشكال الدعم المطلوب لها وبخاصة دعم المركز العربي الذي اثبت انه جدير بهذا ، لكي يستطيع الارتقاء بالدراما الى الافاق العالمية وتكون جزءً من تراث الانسانية ومساهمة اردنية بها، اقول هذا لانني استشعر- بحسي كفنان - ان هناك خطرا يلوح في الأفق بات يهدد وجوده ولا احب ان ياتي يوم آخر اقول فيه مرة اخرى غاب نهار آخر
إن عملية الإنتاج الدرامي أصبحت صناعة وطنية لا تتأثر (إلا في الحدود الدنيا) بما هو خارج الحدود الوطنية ، وصمام أمان للشركات المنتجة لتقليل مخاطر \"توزيع \" الأعمال المنتجة وبالتالي تشجيع هذه الصناعة المحلية المتفوقة في النهاية.
ولكن في نفس الوقت فإن الدراما تمثل استثماراً وطنياً مهماً ، فيكفي ان نشاهد مسلسلات أردنية على سبيل المثال على قناة \"ام بي سي\"، حتى ندرك أن عرض المسلسلات الأردنية على الفضائيات العربية أصبح استثماراً رابحا؛ فالفضائيات العربية لا تشتري الأعمال الأردنية لتدعم الدراما في بلدنا، بل لتستقطب عدد مشاهدين أكبر في زمن أصبحت المنافسة فيه حادة بين الفضائيات وهي مرشحة لمزيد من التنافس في المستقبل.
إن الدراما صناعة ثقافية مستمرة والطلب عليها مرشح للنمو باطراد خاصة في الأسواق التي تشكل الحصة الأكبر من السوق الإعلانية في المنطقة العربية واقصد دول الخليج التي باتت تشكل مقرا لمعظم الشركات العملاقة العابرة للقارات والتي تمتلك ميزانيات إعلانية ضخمة.
ومن ثم فان صناعة الدراما ستتمدد أفقيا وعمودياً وسينشط الطلب على الكثير من الكفاءات التي تقع بشكل مباشر وغير مباشر في دائرة العمل الدرامي.
هذا بالاضافة الى فوائد اخرى سوف تجنيها هذه الصناعة التي لا تقدر بثمن ، وتتمثل في الجانب المعنوي بتعزيز قيم الانسان الأردني العليا، وثوابته الوطنية، وثقته بنفسه وقدرته على التفوق والتميز والانجاز لتصبح هذه الاعمال واصحابها رموز نجاح بكل معنى الكلمة، يساهمون في نشر هذا (النجاح) الى قطاعات عديدة اخرى.
المخرج صلاح ابوهنّود salah4433@yahoo.com