زاد الاردن الاخباري -
خاص ـ إيهاب سليم - السويد:
قد يظن البعض ان التاريخ يعيد نفسه,لكن ما يحصل هو تكرار للتاريخ من بلد الى بلد اخر من قبل ذات الساسة ورجال الدين واتباعهم في واقع الامر,فحينما يُفهم من "الكتاب المُقدس" وادبيات التاريخ الاوربي ان بني اسرائيل لم يكونوا يهوداً وحسب بل مسيحيين من اصل يهودي ايضا ظهروا لاول مرة في العلن اثر الانقسام مع المدارس الجديدة البريطانية في القرن التاسع عشر ميلادي,نستدرك السبب الحقيقي لفرض الحصار على العراق في عهد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الاب عام 1990 وفرض الحصار على قطاع غزة في عهد الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن عام 2007,أو حتى فرض الحصار على الثورة الروسية عام 1917 او الحصار على الثورة الكوبية منذ عام 1962 او الحصار على كوريا الشمالية وغيرها من سياسة الحصارات الكهنوتية باختلاف الاهداف الاستراتيجية والايديولوجية للساسة ورجال الدين تجاه التعامل ما بين الشعوب العربية والاجنبية.
من اجل التعرُف على اساسات المُشكلة لابد التوضيح للجيل العربي الناشيء ان بني اسرائيل يتواجدون في امريكا واوربا واسرائيل اما بلباس الديانة اليهودية او بلباس الانجيليين الجدد التابعين للكنيسة البروتستانتية المُنشقة من الكنيسة الكاثوليكية وعددهم 130 مليون نسمة يجتمعون على قاعدة واحدة ان تكون حدود اسرائيل من النيل الى الفرات,لذلك نجد ان الامريكيين الانجيليين هم أوائل من وصلوا الى مدينة يافا الفلسطينية عام 1866 ويخلدهم النصب التذكاري اليوم في المُستعمرة الامريكية,مع التنويه الى ان الكنيسة الكاثوليكية والارثوذوكسية والاسقفية والانجيلية اللوثرية اصدروا في الثاني والعشرين من شهر اغسطس اب عام 2006 وثيقة في مجلس الكنائس العالمي برفض المسيحية الانجيلية الصهيونية واعتبارها متطرفة.
عادة في الحرب يكون فيها رابح وخاسر عسكريا,لكن في الحصار يكون فيه المُحاصر الخاسر دائما اذا لم يضع اساس المُشكلة في حُسبانه واجاد نقل اللعبة بداخل ملعبهم,فساسة الحصار يعتمدون كليا على ان يكون الشعب مُحاصرا بين اربعة جدران ليسهل السيطرة والقضاء عليه وفقا ل"الكتاب المُقدس" بقِسم العهد القديم سفر المكابيين الاول اصحاح 11 رقم 61:((وانصرف من هناك الى غزة فاغلق اهل غزة الابواب في وجهه فحاصرها واحرق ضواحيها بالنار ونهبها)).
ما حدث للعراق من غزو امريكي-بريطاني في نيسان ابريل عام 2003 كان نتيجة متوقعة بعد حصار هُدم الانسان والحيوان والارض ومقومات الحياة لمدة 13 عاما منذ السادس من اب اغسطس عام 1990,وقد شارك في الحصار جُل الانظمة العربية باستثناء الرئيس السوري بشار الاسد والرئيس الليبي معمر القذافي والرئيس السوداني عُمر البشير والرئيس اليمني علي عبد الله صالح والملك الاردني الراحل حسين بن طلال الذي لعب دورا كبيرا في مساعدة العراق منذ بدايات الحصار مستمدا العزيمة بذلك من الشعب العربي في الاردن وعلاقات الجوار بين البلدين.
ما يحدث لغزة اليوم منذ فرض الحصار عام 2007 هو مشابه تماما لما حصلَ للعراق سواء من تشابه الجهات المسؤولة عن الحصار او الانظمة العربية المتواطئة او الجهات المُساندة للعراق حينها وقطاع غزة اليوم,مع الاشارة ان قطاع غزة مُحاصر من جميع الجهات بحجمه الصغير وعدد سكانه المُكتض.
الاهداف الرئيسية من أي حصار هي زرع الاحباط واليأس النفسي من خلال دوامة الفقر فالعقل يغيب حينما يغيب الدقيق,والهدف الاخر هو التفكك الاجتماعي ومحاولة نشر الفساد ودعم ذلك من خلال وسائل الافساد بطريقة مباشرة او غير مباشرة ولاسيما خطورتها باستخدام البسة جنسية ومواد كيميائية مثيرة للجنس داخل الاطعمة واللِبان (العلك) اضافة الى الحبوب المُخدرة والعقاقير الجنسية في العراق,وهو ما حدث في قطاع غزة من البسة تم مصادرها مؤخرا تحمل عبارات جنسية وكذلك انتشار المخدرات والحُبوب المثيرة للجنس,أي سياسة هدم الشعب.
حينما نقارن نتائج الحصار ما بين دولة العراق بما يحمله من قدرات زراعية متأكلة وثروة نفطية مُحاصرة تارة وخاضعة لبرنامج النفط مقابل الغذاء تارة اخرى,وما بين قطاع غزة بما يحمله من احتلالاً بريا وجويا وبحريا ومحاولة ذات الاطراف سن برنامج السلاح مقابل الغذاء,نجد التالي:
اولا:اثار الحصار على شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي
في العراق,يشير تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية أنه بالرغم من ضرب محطات الطاقة إبان حرب الخليج الاولى 1980-1988،كان ما يزال هناك 126 محطة طاقة عام 1990 قادرة على إنتاج 8903 ميغاواط,وبعد حرب الخليج الثانية عام 1991 وعواقب الحصار نشب تدهور سريع في قطاع الطاقة ولاقى عواقب وخيمة على الوضع الإنساني لبلد يقطنه الملايين،فقد بلغ إجمالي الطاقة المتولدة حوالي 7500 ميغاواط. لكن عدم كفاية الصيانة وظروف التشغيل الرديئة وقُدم وتأكل المولدات الكهربائية أثرت بشدة، حيث وصلت الطاقة المتولدة إلى 3500 ميغاواط.
ويشير تحليل لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية إلى أن المعدات القديمة والآثار المستمرة للحصار قد أدت إلى تدهور كبير على كل المستويات فبرغم وجود انخفاض عام في النشاط الاقتصادي، إلا أن الطلب يفوق العرض بما لا يقل عن ألف ميغاواط،خاصة في ذروة الصيف,وتزايدت فترات انقطاع الكهرباء إلى 6 ساعات يومياً منذ يوليو/ تموز 1998,ولهذا الانقطاع تأثيرا سلبيا على كافة اوجه الحياة الصحية والاجتماعية والنفسية والبيئية,علاوة على الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة التي يتعرض لها كافة الشرائح الاقتصادية والأهالي بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود,وخطره الاكبر يكمن في عمل المستشفيات والمدارس والجامعات وهو امضى سيف يستخدمونة لمُصادرة حُرية الشعب.
اما في قطاع غزة,بناءً على تقرير جمعية أصحاب محطات الوقود في قطاع غزة فإن الاحتياجات اليومية للقطاع من المحروقات هي : (350) ألف لتر من السولار ، (120) ألف لتر بنزين ، (350) طن غاز بالإضافة إلى (350) ألف لتر يوميا من السولار الصناعي لتشغيل محطة الكهرباء ، إلا انه في ضوء القرار الإسرائيلي في نهاية تشرين الثاني نوفمبر 2007 بخصوص تخفيض كميات المحروقات،فقد انخفضت كميات السولار اليومية إلى (90) ألف لتر فقط بنسبة انخفاض 74% ، وانخفض البنزين إلى (25) ألف لتر فقط بنسبة انخفاض 79% ، وانخفض الغاز إلى (100) طن بنسبة انخفاض 71%،الأمر الذي ترك تأثيراً سلبياً على كافة أوجه الحياة الصحية والاجتماعية والنفسية والبيئية،علاوة على الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة التي يتعرض لها كافة الشرائح الاقتصادية والأهالي بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود وخطره الاكبر يكمن في عمل المستشفيات والمدارس والجامعات لذات الهدف المُشار اليه سابقا.
ثانيا:أثار الحصار على الحالة التعليمية:
في العراق,تدهور التعليم في كل المراحل وانخفض مستواه وشاعَ ظاهرة التسرب وانخفضت قدرة الاستيعاب لدى الطلبة وانصراف الاطفال نحو العمل لاعانة الاسرة،اضافة الى ظاهرة هجرة العقول العلمية بأعداد كبيرة، حيث يقدر رسميا أن أكثر من 23 ألف باحث وعالم وأستاذ جامعي وطبيب متخصص ومهندس مرموق تركوا العراق للعيش في المنافي ابان الحصار,وتضاعف العدد بعد الاحتلال,نسبة كبيرة منهم من حملة الشهادات العليا,ولعب الدور الاكبر في هجرتهم الى التدهور الاقتصادي وعدم وجود حوافز مالية لذلك مع الارتفاع الموالي للاسعار دون القدرة على تحديد قيمة السلع جراء التضخم المالي.
في قطاع غزة,انصراف الاطفال نحو العمل لاعانة الاسرة وهجرة الكفاءات العملية نحو الخارج جراء تردي الاوضاع الاقتصادية مع عدم وجود حوافز مالية لذلك اضافة الى الارتفاع الموالي للاسعار دون القدرة على تحديد قيمة السلع جراء الاعتماد على البضائع المُهربة.
ثالثا:اثار الحصار على الحالة الاقتصادية والاجتماعية:
في العراق,زيادة معدلات البطالة وتمزق النسيج الاجتماعي وتفشي العنف الاسري نتيجة ارتفاع معدلات الجريمة،والرشوة، والانتحار، والسرقة، والمخدرات, والتهريب، والبغاء الصفوي، وجنوح الأحداث،وظواهر اجتماعية ناشئة جراء التدهور الاقتصادي وانخفاض دخل الفرد في السنة إلى 1036 دولار فقط عام 1998.
في قطاع غزة,زيادة معدلات البطالة وتشنج الحياة العائلية نتيجة ارتفاع معدلات العنف الاجتماعي داخل الاسرة,اضافة الى حالات السرقة والتهريب والمخدرات وغيرها من الظواهر الاجتماعية الناشئة جراء التدهور الاقتصادي وانخفاض دخل الفرد في السنة الى 850 دولار فقط عام 2008.
رابعا:اثار الحصار على الجانب الصناعي:
في العراق,كان النفط العراقي يمثل 60% من إجمالي الناتج المحلي عام 1998،ورغم ذلك اغلقت العديد من المشاريع الصناعية والتجارية ابوابها جراء النقص الحاصل بالمواد الصناعية والخامات والمواد الكيميائية ما فاقم اعداد البطالة بالبلد.
في قطاع غزة,المنشآت العاملة في القطاع الصناعي تراجعت في الناتج الإجمالي للقطاع،منذ نوفمبر تشرين الثاني 2007، من حوالي 13% إلى أقل من 5% حسب معظم التقديرات، بسبب إغلاق أو تدمير حوالي 90% من المنشآت العاملة في القطاع الصناعي،حيث أدى ذلك إلى انخفاض أعداد العاملين في القطاع الصناعي من 35.000 عامل إلى نحو 4.200 عامل ،وإلى حوالي 1500 عامل في منتصف عام 2009.
خامسا:اثار الحصار على الجانب الزراعي:
في العراق,الحصار وانخفاض منسوب نهري دجلة والفرات,ادى الى انخفاض الانتاج الزراعي,حيث يصعب استيراد الادوية الزراعية والاسمدة الكيميائية ومواد التغليف,ما فاقم في تراجع الانتاج الزراعي.
في قطاع غزة,الحصار واغلاقات المعابر أدت إلى وقف حركة استيراد المستلزمات الإنتاجية مثل الأدوية الزراعية والأسمدة الكيميائية والحبوب والنايلون المستخدم في الدفيئات الزراعية ، وإعاقة تصدير المنتجات الزراعية، ثم جاء قرار الاحتلال الإسرائيلي في آب اغسطس 2008 بتوسيع المنطقة العازلة على طول حدود قطاع غزة بعرض يصل إلى (500) متر، ليؤدي إلى مزيد من تراجع القطاع الزراعي.
سادسا:اثار الحصار على جانب السياحة:
في العراق,اصيب هذا القطاع بشلل شبه تام ما احدث هزات اقتصادية لدى اصحاب الفنادق وشركات السياحة والمطاعم السياحية.
في قطاع غزة,نتيجة إغلاق المعابر وعدم حرية السفر,أصاب القطاع السياحي شلل كامل وأوشكت شركات ومكاتب السياحة والسفر البالغ عددها 39 شركة و مكتب على الإفلاس,اما أصحاب الفنادق السياحية البالغ عددها 12 فندق سياحي تحتوي على 423 غرفة جاهزة لاستقبال النزلاء تدنت نسبة الإشغال فيها إلى الصفر.
سابعا:اثار الحصار على الاطفال:
في العراق,معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة زاد عن الضعف بسبب صعوبة ايجاد العلاجات الضرورية والعقاقير الطبية، حيث قفز من 56 حالة وفاة لكل ألف مولود خلال الفترة من 1984-1989 إلى 131 حالة وفاة في فترة الحصار من 1994-1999,وكذلك تزايد معدل وفيات المواليد من 47 لكل ألف مولود إلى 108 حالة وفاة خلال نفس الفترة السابقة,وتضاعفت نسبة سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة من 12% إلى 23% خلال الفترة بين عام 1991-1996.
في قطاع غزة,الاطفال يشكلون ما نسبته 50% من السكان,يعانون من سوء التغذية وصعوبة ايجاد العلاجات الضرورية والعلاج الكيميائي والعقاقير الطبية,في مستشفى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي فقط وجدَ 300 حالة مرضية راقدين بذات الوقت أواخر عام 2009 , 100 منها اورام وسرطان الدم،و100 تخص امراض الدم الاخرى، و105 حالة اميبيا البحر الابيض المتوسط، 65 حالة امراض دم بكل انواعها ، 5 من الاميبيا و41 حالة اورام جديدة واغلبها سرطان الدم.