كثير هم القادة الحزبيون و السياسيون و الإعلاميون و النشطاء الاجتماعيون و الحقوقيون الذين أشير لهم بإصبع الاتهام في التورط بقضايا الفساد المالي في مؤسسات المجتمع المدني التي يقودونها أو في الوقوع بحبائل المال السياسي الداخلي و الخارجي و الانجرار نحو التمويل الأجنبي المعلن و غير المعلن. و في كل حادثة من هذا القبيل لا تجد تلك القيادات ما تدافع به عن نفسها سوى استحضار نظرية المؤامرة من المنافسين و الأقران المخالفين أو الأعداء الخارجيين المفترضين، و غالبا ما تكون الحكومات هي المتهم الرئيس، و يغدو الخصم هو الحكم، أو الحكم هو الخصم. و لأن الوقاية خير من العلاج، و حتى لا تظل أسطوانة الفساد المالي و التمويل الأجنبي و المال السياسي - مشروخة أو غير مشروخة – سيفا مصلتا على رقاب القيادات الوطنية المخلصة في مؤسسات المجتمع المدني فإن هذه القيادات و الهيئات العامة التي انتخبتها - و التي تمثل سلطة عليا مهيمنة على الإدارات المنتخبة بل وجدت لتحاسب هذه الإدارات و ترشدها - مدعوة لتأصيل و تعزيز مبدأ "من أين لك هذا؟" من خلال تشريع و تقنين "إشهار الذمة المالية" حماية لأشخاص هذه القيادات و غالبيتهم الساحقة من الأيادي البيضاء الطاهرة التي ساهمت في بناء هذا الوطن سياسيا و مهنيا و اجتماعيا و اقتصاديا، و حماية لهذه المؤسسات المدنية من الانهيار الذاتي و الاستهداف الفئوي أو السلطوي. فمثلا عندما يأتيني من مالك أرض و وسيطه العقاري اعترافهما على نفسيهما أنهما باعا إحدى مؤسسات المجتمع المدني قطعة مساحتها خمسمائة دونم في إحدى المحافظات بمليوني دينار كانت عمولة (رشوة) ممثلي تلك المؤسسة منها ربع مليون دينار من أجل إتمام الصفقة، ألا يحق للهيئة العامة المتضررة في تلك المؤسسة و غيرها أن تطالب بإشهار الذمة المالية لرؤسائها و أعضاء هيئاتها الإدارية و المدراء الماليين لصناديقها الاستثمارية و أعضاء لجان العطاءات و الاستثمار فيها قبل تسلمهم أمانات مسؤولياتهم و بعد تسليمهم لهذه الأمانات، أسوة بسيدنا الفاروق عمر بن الخطاب عندما ولى سيدنا أبا هريرة رضي الله عنهما على البحرين، أو قولوا –إن شئتم مع الفارق و لا تشبيه- أسوة برئيس الوزراء السيد سمير الرفاعي الذي أشهر ذمته المالية قبل أيام؟! و عندما يأتيني من لا مصلحة له من قريب أو بعيد فيطلعني على أملاك بعض القيادات البارزة للعمل التطوعي الذين يسارعون بشراء الأراضي المجاورة لكل أرض استثمارية تشتريها مؤسساتهم التطوعية قبل أن يعلم بقرار الشراء أحد فترتفع أسعارها، ألا يدعونا ذلك لتبني هذه الفكرة بقوة – إشهار الذمة المالية و تطبيق مبدأ (من أين لك هذا)؟! و عندما أكون مطلعا بشكل شخصي و مباشر على الأوضاع المالية لبعض قيادات مؤسسات المجتمع المدني قبل انتخابهم و توليهم مسؤولياتهم و هم لا يجدون ما يدفعون به أجرة مكاتبهم مما يضطرهم إلى إخلائها، ثم هم بعد توليهم مسؤولياتهم "التطوعية" و أماناتهم في استثمار و تنمية الأموال العامة تنمو أموالهم الشخصية بشكل مواز و مطرد للمال العام و "تعم البركة" و تمتلئ خزائن بيت المال "العام و الخاص"، أفلا أكون من أشد المتحمسين لضرورة إشهار الذمة المالية في كل مؤسسات المجتمع المدني و تطبيق مبدأ (من أين لك هذا) حتى "تعم البركة"؟!