.. من البديهي والمعقول جدا أن تبحث السلطة الفلسطينية وحركة حماس عن صيغة توافقية لحل الأزمة الفلسطينية والخروج باتفاق يحمي الوحدة الفلسطينية أولا ، ويفك الحصار عن القطاع والقدس ويوحد الخطوط باتجاه فرض تسوية مقبولة مع الجانب الإسرائيلي ثانيا ، لأن احد من الطرفين ( السلطة وحماس ) لم ينجح في إقصاء أو إضعاف الأخر على مستوى داخلي او خارجي رغم ما تعرضت له حركة حماس من حرب شاملة وتضييق وحصار لم يؤدي الغرض منه إلى الساعة ، وما تتعرض له السلطة من تضييق وحصار سياسي للقبول بالمفاوضات المباشرة في ضل الاستيطان ، كما أن أي من الطرفين لن يستطيع تحقيق انجاز يذكر في ضل تلك الأزمة على صعيد الحقوق الفلسطينية في ضل الألغام الإسرائيلية والغربية والعربية القائمة وفي ضل الأوضاع العربية والدولية التي جعلت من القضية الفلسطينية أخر اهتماماتها .
رئيس السلطة محمود عباس يصر على القول في كل مناسبة إنه يريد حكومة تعترف بالاتفاقات الموقعة، وبالشروط الدولية. وحركة حماس من طرفها ترفض شرط الاعتراف لاعتبارين، الأول أنه يخالف البرنامج الذي انتخبها الناس على أساسه، والثاني يتعلق بعبثية التجربة التفاوضية، وعلم حماس الأكيد بأن المسار الجديد الذي ستمضي فيه جماعة السلطة لن يلبث أن يصطدم بالجدار المسدود المعروف الذي وصله سابقا في كامب ديفيد عام 2000. سواء بمفاوضات مباشره او غير مباشره في ضل انحياز أمريكي واضح وتبني كامل لوجهة النظر الإسرائيلية والتي ما نجحت حتى بوقف مشاريع الاستيطان في القدس وهو احد شروط التفاوض الفلسطيني للدخول بمفاوضات مباشره مع إسرائيل ، والحال مستمر لا جديد ولا حتى نقطة ضوء في نهاية النفق ، بسبب تمسك الطرفان بشروط اللقاءات والتسوية ، والاتهامات المتبادلة بين الطرفين .
الشعب الفلسطيني وحده من يدفع الثمن في الضفة ، وسكان غزة هم الأكثر تضررا من تلك الأزمة ، ولاحقا سيدفع الفلسطينيون والمقدسات في القدس ثمنا أخر بفعل مشاريع العزل والاستيطان وتهويد المقدسات ، فباتت الضفة مقسمة بفعل الأزمة إلى ثلاث كيانات سياسية متفرقة متباعدة في غزة والضفة والقدس ، فهل تستمر الحال على ما هي عليه لسنوات أخرى في الوقت الذي تبني فيه إسرائيل مزيدا من المستوطنات ومصادرة للأراضي وتهجير للمواطنين وتشديد الحصار على القدس وتهويد المقدسات ؟
بكل تأكيد إسرائيل هي من يقود العربة ، والتناحر الفلسطيني الفلسطيني مستمر ، والحصار والتوسع والاستيطان قائم على قدم وساق ، والأمريكان فشلوا في إقناع إسرائيل حتى بوقف الاستيطان في القدس ، ومن هنا فأن الوحدة والاتفاق هما آس النجاح والانتصار وترتيب البيت الداخلي ، اذ لم يكتب التاريخ لأي ثورة او حركة تحرر أنها استطاعت تحقيق سلام عادل او تحرير للأرض في ضل الفرقة والتناحر بين أصحاب القضية الواحدة والعبرة في التاريخ , وهذا يفرض على الجانبين إرساء تسويات مؤقتة وتنازلات قد تبدو عند البعض كبيرة تحول دون الصدام والخلاف بين أبناء القضية الواحدة هدفها حماية الوحدة الوطنية وتقوية شروط التفاوض .
لعل ما يحصل في لبنان ألان هو مثال على التوافق بين الدولة والمقاومة ، فحزب الله لا يستمد شرعيته بخمسين ألف صاروخ وعشرات الدبابات وآلاف المقاتلين فيس جناحه العسكري بقدر ما يستمد الشرعية من حلال انخراطه بمؤسسات الدولة في البرلمان والحكومة ومؤسسات المجتمع والتي تلقى الاعتراف والاحترام من قبل دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تضع حزب الله في قائمة الأحزاب والتنظيمات الإرهابية في العالم ، فكانت خطوة حزب الله الاستعانة بالدولة والانخراط بمؤسساتها وفرض شروط التسوية والبناء وإعادة تنظيم الدولة خطوة بالاتجاه الصحيح ما كان حتى لأشد أعداء الحزب رفض تلك ألصيغه وعدم الاعتراف بها ،
يستطيع الجانب الفلسطيني وحركة حماس إعادة استخدام التجربة اللبنانية فلسطينيا للخروج من الأزمة وتوحيد الصفوف وفرض أو تحسين شروط التفاوض مع حكومة العدو المتغطرسه والتي تلعب على أنقاض تلك الأزمة وتستثمرها لصالحها ، وعلى قاعدة الوحدة أولا ، ودون إغراق التجربة بشروط تعجيزية يرفضها أي طرف ويتخندق حولها من اجل إبعاد التدخلات العربية والغربية غير الآبهة بالنزاع الداخلي ، فالتنازل مطلوب ، والوصول إلى صيغ توافقية مطلوب ، استنادا للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين ومنها الاتفاق الوطني 2006 واتفاق القاهرة 2005 ومكة 2007 وعلى قاعدة القانون الأساسي للسلطة وتنحية التدخلات العربية المتناقضة ، فقدرة الحركة على المناورة قائم وقدرة السلطة على الإمساك بالأمور واستيعاب الحركة قائم ، فالأرض والشعب أهم بكثير من شروط تحسين المواقع واقتسام الحصص إذا كانت الرغبة متوفرة لدى الأطراف المتنازعة للخروج من المأزق ومواجهة حكومة اليمين الصهيونية والانحياز الأمريكي الواضح وحالة الترهل والضعف في النظام العربي ككل .