.... الإنسان بطبيعته الفطرية ينزع إلى التملك والسيطرة و (المال), هو بالإضافة إلى البنون (زينه الحياة الدنيا) , هكذا اخبرنا الله سبحانه وتعالى في محكم كتابة العزيز, فهو يعطي لصاحبة قوة ونفوذ وسلطة بحجم ما يملك , ويمكنه من إشباع رغباته في شراء كل شيء, وقصة استخدام المال السياسي كأداة من أدوات الحصول على السلطة والنفوذ, هي قديمه قدم التاريخ نفسه , الذي اخبرنا عن الكثير من القصص والأحاديث حول لجوء الحكام إلى إبعاد الأذى وكف الشر عن طريق الترغيب والإغراء و حتى الشراء للمؤلفة قلوبهم من الأتباع والمريدين والمؤيدين و الزعامات و رؤساء القبائل, و الشعراء الذين كانت تقدم لهم الهدايا و الأعطيات , ليتم توظيف شعرهم في الصراعات السياسية , في مدح و تبرير شرعية السلطة الحاكمة أمام الأعداء و القوى المعارضة الأخرى و استخدم أيضا في قمع الثورات وتفتيتها .
أما ما تسمى بالديمقراطيات الحديثة, فمن يظن أنها تمارس حياة ديمقراطية حقيقية في شفافية مطلقة هو في وهم كبير , فقوة المال السياسي هي السائدة في تلك المجتمعات بصورة مباشرة أو من وراء ستار , تقوم بذلك الشركات الكبرى وتحالفاتها والجماعات الضاغطة ( اللوبيات )وحتى المافيات , في سبيل تحقيق مصالحها المستقبلية , فتعمل على دعم وإيصال رؤساء ووزراء ونواب إلى مواقعهم , عن طريق تمويل حملاتهم الانتخابية ,وتسخير الماكينات الإعلامية التابعة لها أو المشتراة من قبلها (صحف وإذاعات وقنوات تلفزيونية محلية وفضائية) لتحقيق الهدف , بحيث ستعود تلك المبالغ المدفوعة في سبيل ذلك أضعافا مضاعفة إلى تلك الجهات الداعمة ، على شكل صفقات سياسية ونفوذ و عقود تجارية.... الخ ,وكذلك المال السياسي المدفوع من قبل قوى خارجية ودول لتحقيق مصالحها , عن طريق السفارات و الجهات التابعة لها سواء أكانت جهات أمنية أم غيرها , في التأثير على نتائج الانتخابات ( كما حصل في العراق ولبنان ) على سبيل المثال , ودعم أحزاب وجماعات وقوى محلية و حتى في شراء مواقف وقناعات بعض الرجال السياسيين وخاصة الباحثين عن السلطة والطامحين في الحصول على منصب برلماني أو وزاري أو دبلوماسي, أما الحكومات في العالم الثالث وخاصة الدكتاتورية منها والتي تريد تجميل صورتها كي تظهر بمظهر ديمقراطي شكلي ديكوري والتي لا تريد اللجوء إلى التزوير المباشر الصريح جهارا نهارا , تقوم بدفع أموال لدعم مرشحيها المفترضين و ليقوموا بذلك على طريقتهم .
و قد يكون مصطلح( المال الانتخابي ) الذي ينفقه المرشح من مصاريف على الدعاية الانتخابية وعملية شراء الأصوات أدق في التعبير عن الحالة التي كانت سائدة عندنا وكما هو معروف في انتخابات سابقة , بسبب رغبة بعض أبناء الطبقات الغنية المسيطرة على المال والاقتصاد , في الجلوس تحت قبة البرلمان كنواب ,للمحافظة على مصالحهم مباشرة وبدون وسطاء , لتصبح كل السلطات تحت تصرفهم, مستعملين كل الوسائل الممكنة,مستغلين حاجه الناس المادية, الناتجة عن الظروف الاقتصادية الصعبة , التي يعيشونها, ,كالفقر والبطالة ,ولتحقيق ذلك يقومون بشراء ذمم بعض الوجهاء والمخاتير من ذوي التأثير الاجتماعي أو حتى شراء أصوات الناخبين كأفراد مباشرة أو عن طريق وسطاء وسماسرة يوظفونهم لهذه الغاية , حيث يقول بعض الوسطاء الانتخابيين ( أنهم يكون تأثيرهم أكثر بواسطة المال بين الشرائح المتأرجحة في المجتمع التي عادة لا تنخرط في الاقتراع ولا تتحمس لمرشح معين ,فإن المال يساعدهم في تحديد مرشحهم ), وقد يشكل بعض المرشحين مليشيات مدفوعة الأجر من العاطلين عن العمل ومن فتوات وزعران الشوارع و الحارات للمشاركة معهم في حملاتهم الانتخابية للقيام بتعليق اللافتات وتمزيق لافتات منافسيهم آو الاعتداء عليهم , و التخويف ونشر الرعب وإثارة النعرات خلال الانتخابات, وإثارة أعمال الشغب بعد الانتخابات, في تزوير متعمد لإرادة الناخبين , لتحقيق نجاحهم المنشود , فالغاية تبرر الوسيلة عندهم ,والتي نتمنى أن تكون التشريعات الجديدة التي نص عليها القانون الجديد , كفيلة بوأد هذه الظاهرة إلى غير رجعه .
قد يكون لجوء بعض الناس إلى بيع أصواتهم ناتج عن انتشار ظاهرة اللامبالاة عندهم بسبب حالة الإحباط واليأس والقلق التي يعيشونها , نتيجة للكثير من السياسات الغبية المتراكمة للحكومات المتعاقبة, منها التغيرات والتعديلات المتكررة في قانون الانتخابات النيابية وخاصة الصوت الواحد , وشبهات تكرار التزوير وبشكل مكشوف وملفت للنظر في هذه الانتخابات , بالإضافة إلى سوء التخطيط واعتماد سياسة الفزعة في حل المشاكل الداخلية, وعدم وجود حلول ناجعة للفقر والبطالة و عدم تكافؤ الفرص بين الجميع, وانتشار ظواهر الفساد الأخلاقي والاجتماعي والإداري والاقتصادي, مثل الرشوة والوصولية والانتهازية والشللية , والواسطة والمحسوبية,و محاولات الإثراء بسرعة , بطرق غير مشروعه مثل الغش والخداع والفساد المالي والاختلاسات, وبروز ظواهر الطائفية و المناطقية والجهورية والعشائرية والإقليمية, ولهذه الأسباب مجتمعه, يبدأ الناس بفقدان ثقتهم في حكومتهم وولايتها العامة عليهم , ويقل اقتناعهم بها , و بجدوى إجراء الانتخابات ونزاهتها ونتائجها , فظهرت تجارة الأصوات الانتخابية وشراء والذمم , كنشاط يمارس علنا, وقد يقول قائل منهم ( هذه فرصتي الوحيدة للاستفادة من هذا المرشح الذي قد يصبح نائبا ....منفعة متبادلة....بزنس ).
وهذا ليس دفاعا عن من يلجأ إلى بيع صوته فهذا عمل حقير جبان وغير مسئول مهما كانت الأسباب والدوافع , فالذي يبيع والذي يشتري هما من نفس الطينة وكلاهما فاقد للخلق والضمير والانتماء والولاء للوطن, ومستعد للبيع أي شيء حتى شرفه فكل شيء عنده سلعه قابلة للبيع والشراء , لذا وجب علينا جميعا الانتباه إلى ما يفعله هؤلاء المجرمين في إضعاف الوازع الديني وتدمير في منظومة القيم والأخلاق والمثل والعادات والتقاليد الاجتماعية العربية الإسلامية الموروثة عن الأجداد و التي كنا نفاخر بها ونعتز .
إن استخدام المال الانتخابي هو ضرب لأهم مقومات اللعبة الديمقراطية التي تعتبر المشاركة الشعبية الحقيقية فيها هي الأساس, و هي المقياس لمدي التزام المجتمع بها ,ومؤشرا على شرعيه الحكومة ودليل على إسهام المواطنين في توجيه سياسة الدولة والرضا عن الأسس التي يرتكز عليها أسلوب الحكم في احترام رأي المواطنين, وعلى الدولة أن تنتبه أيضا إلى ما يفعله اذكياؤها من اجتهادات قد تؤدي إلى مالا يحمد عقباه مستقبلا .
وقى الله سبحانه وتعالى هذا الوطن الغالي وأهلة الطيبين الصابرين , من كل مكروه , وأدام علية عزة ,وآمنة واستقلاله , وأبقى رايته خفاقة عالية , تحت قيادته العربية الهاشمية المظفرة .....أمين......
طلب عبد الجليل الجالودي
talabj@yahoo.com