قبل أيام كنت عائداً إلى البيت مستقلاً سيارة تاكسي، عندما رأيت أطفالاً يلعبون الكرة في أحد الشوارع الشعبية، وأحدهم يتأهب لضرب الكرة صارخاً: \"لعيون ميسي\"!!. هذه الصرخة أيقظتني على عمق المأساة التي يعاني منها الجيل القادم، هذا الجيل الذي يفتقد إلى معظم مقومات الهوية الوطنية، ويخلو قاموسه من أي كبرياء واعتزاز وفخر بنماذج أردنية أو عربية أو إسلامية تملأ فراغ عقله وخواء روحه.
هذا الجيل المقلد الممسوخ الذي يرضى لنفسه وعن طيب خاطر أن يكون إعلاناً متحركاً للاعبين أجانب لا يمتون لنا بصلة، بل إنَّ بعضهم قد يستعرُّ منا، ويأنف أن يلم بنا وبمشاكلنا، وقد يصاب بالغثيان إن علم أنَّ بعضنا يلبس قميصه، ويفخر باسمه على ظهره.
هؤلاء اللاعبون الذين يلعبون بالملايين، ولا يلعبون إلا بمقابل مادي كبير، لأن اللعب حرفتهم ومهنتهم، يأتي أولادنا ليزيدوا من ثرواتهم ويشتروا قمصانهم بمبالغ كبيرة، يتخذونهم نموذجاً وقدوة، ولا يشعر أحدهم بحياء أو خجل أن يكون منصة إعلان مجانية، بل إن بعضهم لا يتحرج أن يصلي واسم اللاعب يتربع على ظهره!
ومما يزيد الطين بلة، أنَّ البنات تسابق الشباب في التعلق بهؤلاء اللاعبين وتشجيعهم ونقش أسمائهم، والفخر بهم، وأصبح من المألوف أن تسأل الفتاة عن لاعبها المفضل، فتذكره متغزلة بقوامه وتسريحته وطلته البهية، بل وتحلم به فارس أحلامها ومحقق أمنياتها.
ولا يبعد عن ذلك هوس الجيل بالتسريحات العجيبة، وتقليعات الملابس السخيفة، وكلها تقليد أعمى لجماعات شبابية غربية يجمعها رابط ما، أو تعبر عن فكر معين، ولكن شبابنا يقلدونها دون أدنى تفكير أو تساؤل عن ما وراء هذه التسريحات والتقليعات، ولو أدرك البعض ما وراء ذلك لعض أصابعه ندماً، ولتمنى أن لم يولد!!
إنَّ ما يحدث يشير إلى خلل تربوي خطير، وفشل إعلامي كبير، وهوة اجتماعية عميقة، وكل ذلك لا يبشر بخير، وأنَّ المستقبل مغلف بالضباب الكثيف، وعليه فإنه من الواجب أن ندق ناقوس الخطر، وأن تعلن حالة الطوارئ القصوى لتدارك الأمر، وإصلاح الخلل، وبناء برامج تربوية تنهض بالشباب روحاً وعقلاً وجسداً، وأن تنمي فيهم قيم الاعتزاز والفخر بالوطن ورموزه، والأمة وأعلامها. ولا بد من إعلام هادف يبني ولا يهدم، يوحد ولا يفكك، يرفع ولا يخفض. إعلام يراعي قيم الأمة وأخلاقياتها ودينها وأصالتها.
إنَّ الأمر خطير جداً، والعاقبة وخيمة، وقاصمة الظهر قادمة لا محالة، إن لم يتسارع العقلاء، ويتكاتف أولي النهى، وتتوحد الجهود، لاحتضان الجيل، وترشيد خطواته، ودفعه إلى العلا، وتحصينه بالفكر السديد، والعقيدة النقية، وتعظيم بصيص النور الذي يوشك أن يتلاشى، لأنه بيده المستقبل، وعلى أكتافه سيبنى غدنا، فهو عدتنا وعتادنا، وإلا فلا يلومن أحد إلا نفسه، ولا يأسف إلا على حاله، وليتمنى أن يموت اليوم قبل الغد.
mosa2x@yahoo.com