صدقت نبوءتك ياعرار؛ فزيتون برما داشر، وهاهم الهمل والهوامل والهمّل يتنقلون بين سفح إربد وتل شيحان، فيذرعون مزارع الزيتون من ماحص إلى عمراوة، مرورا بالحواكير التي بنيت سناسلها بالقرطيان والصوان، يشترون بعقود صاغها شيلوخ وحاييم ثمارا أقسم بها رب العزة بالتين والزيتون.
ففي كل عام يتقاطر السماسرة- وهم كثر- ليعقدوا الصفقات مع المزارعين؛ كبارهم وصغارهم لشراء أهم المنتجات الزراعية التي ترتبط مع وجدان الأردني وعاطفته، وعليها يعتاش أصحاب المعاصر وأسرهم وعمالهم. فيحرم شيخ هرم من متعة شهري تشرين اللذين فيهما تتجمع أسرته لقطف ثمار أشجار زرعها وهو في عفرّان شبابه وهمته، فرعاها بكل مايحمل فؤاده من حب ولهفة، حتى أخذ الزمن منه مأخذه، فبات رقيق الحال، قصير الخطا، يتواثب الأحفاد من حوله فرحين بالموسم، فهذا يحمل مدرجا أو بطانية، وذاك يتأبط تنكة لجمع الثمار الساقطة، وآخر العنقود( قريد العشّ) مصر على سحب الباكور من يمين جده الذي يطوح بباكوره موهما الصغير بالضرب والعقاب، فتشي الفرحة في عينيه، والحبور على محياه بأن لاضرب هناك ولا عقابا.والأب يحمل على كتفيه ما يعجز باقي الأبناء على حمله، أما أم البنين فتحمل زاد القطاف وزوادته.
الزيت والزيتون ملكا المائدة الأردنية، يتربعان على عرش الإفطار صباحا ، تارة على شكل غموس؛ أي تغمس اللقيمة في صحن الزيت أولا لتتابع طريقها بانسياب إلى صحن الدقة أو الزعتر ومن ثَمّ تشيّع بحبة زيتون تعقبها شربة شاي، وبعد ذلك تدور الدورة نفسها مرات ومرات حتى ينتهي الإفطار بحمد الله. وتارة أخرى على صورة مناقيش حيث تستخدم هذه الآلية عند رغبة الأبوين في تطفيش الأبناء خارج المنزل لتقوم الأم بأعمالها المنزلية بعيدا عن صخب الأولاد ولهوهم.
عرفنا غصن الزيتون شعارا للسلام والوئام في زمن عزّ السلام فيه والوئام؛ فهاهو بيد سلالة شيلوخ وشامير وشارون يقتلعونه من أرضنا المباركة ليدنس في كيبوتسات بني صهيون وجمعياتهم التعاونية التي فرّخت من قبل الهاجانا والإرجون وغيرهما من العصابات الصهيونية المسلحة وما زالت. ولو عرف الأجداد والآباء أن غراسهم سيتاجر بها المتاجرون والسماسرة لاجتثوها من شروشها يصنعون منها أوتادا رواسي قبل أن تميد الأرض بنا بسبب جشعنا وطمعنا لا بل خيانتنا فمثل هذا العمل المشين لايصنف إلا في وحل الخيانة لا التجارة بصرف النظر عن أي مبررات أو مسوغات.
لست خبيرا اقتصاديا لأبين بالأرقام والنسب المئوية والمعادلات أثر ذلك في الاقتصاد الوطني. ولا ضليعا في الزراعة لأذكر كمية الناتج المحلي الذي يرفد السوق المحلية من ثمار هذه الشجرة المباركة، ولا ناشطا في المعارضة لأحتج وأرتج على سياسة وزارة الزراعة التي تفتح الباب على مصراعيه أمام السماسرة، واضعة في الأذن اليمنى طينا، وفي الأخرى أسمنتا وحديدا لسماع الرافضين لهذه السياسة وأمثالها. ولكن أزعم أنني من سلالة الحراثين- وبفخر- الذين يعز عليهم أن تحول حبة الزيتون الأردنية إلى شيك نقدي بيد صهيوني يشتري به رصاصة مطاطية تصوب إلى نحر فلسطيني في غزة أو نابلس.
فعذرا ياعرار؛ فليس زيتون برما وحده داشرا