ارتفاع غير مسبوق في حالات الغش والاعتداء على المراقبين واقتحام قاعات الامتحان...
لم يسبق ان شهدت امتحانات »التوجيهي« هذا القدر من العنف ومحاولات الغش. المئات تم ضبطهم على مدار الايام الماضية متلبسين, العشرات حاولوا اقتحام قاعات الامتحان, واعتداءات بالجملة على المراقبين والمشرفين التربويين, ناهيك عن التفنن في انتحال الشخصية.
التوتر والقلق اللذان يصحبان اجواء "التوجيهي" تنتج عنهما في العادة ردود فعل غاضبة وعنيفة من الطلبة, فالجميع يسعى لمعدل يؤهله دخول الجامعة, وتحت ضغط الاهل والاقران وادارات المدارس يجد طالب التوجيهي نفسه وكأنه ذاهب الى الحرب وليس مجرد امتحان.
بعض ردود الفعل من الطلبة مبررة ومفهومة لكن ما نشهده تجاوز حدوده الطبيعية, ولا يمكن قراءته خارج سياق ظاهرة العنف والبلطجة التي تتنامى في المجتمع. فمثلما يسعى الكثيرون لاخذ القانون بأيديهم والتعدي على المؤسسات صار طلاب التوجيهي يعتقدون ان بامكانهم ان يغشوا ويستولوا على الاسئلة قبل موعد الامتحان حتى وان تطلب الامر اقتحام المدارس عنوة وضرب المراقبين وارهابهم, واصبحت هذه الافعال تحظى احياناً بدعم من قبل الاهالي الذين لم يتوانوا عن اقتحام قاعات الامتحان »لمساعدة« ابنائهم في الحصول على الاجابات الصحيحة.
بيد ان هذا العنف عند الطلبة ليس وليد ساعته او محصلة ضغوط امتحان التوجيهي, وانما ظاهرة ترافق الحياة الطلابية من مراحلها الاولى, بتعبير آخر هي ازمة سلوك تربوي وتراجع قيم التربية والتعليم, فالعنف بكل مظاهره لا يقتصر كما قلنا على فترة الامتحانات بل يطال المدارس كلها وتسجل الدراسات الاحصائية ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الاعتداء المتبادل في اوساط الطلبة والاساتذة, وللحد من هذه الظاهرة اطلقت في الآونة الاخيرة حملة للحد من ظاهرة الضرب في المدارس. واعتقد ان بعض ما نشهده في قاعات التوجيهي هو نتاج عملية متراكمة تفضي الى تكريس العنف كسلوك ووسيلة للوصول الى الاهداف.
والتوجيهي في نظامه الحالي صار سبباً اضافياً للعنف والسلوك المنحرف, وموسما لاكتشاف ازمة القيم وقد بلغ الطالب مرحلة التخرج.
لم يعد ممكناً الاستمرار في هذا النظام الذي يلفظ انفاسه. اصلاح آليات امتحان التوجيهي امر لا بد منه, ووزارة التربية باتت مقتنعة بالحاجة الى التطوير وهي تستعد لتنظيم مؤتمر يأخذ على عاتقه مسؤولية اعادة هيكلة "التوجيهي".
ربما ينتهي الامر بالغاء الامتحان الوطني او تقسيمه الى اربعة فصول واستبداله بامتحان قبول جامعي, لكن ذلك لا يعفي المؤسسات من مسؤولية التصدي لظاهرة العنف والبلطجة في اوساط الشباب لانها ستبقى تعبر عن نفسها باشكال مختلفة ومواقع اخرى غير قاعات الامتحان.