فالظن هو ما يختلج في النفس من تصور تجاه شخص أو حدث معين، وليست هناك أدلة وبراهين تثبته، وهو مثل الوهم والشك، ومتى ما وجدت الدلائل والبراهين تحول الظن إلى علم ويقين.
حسن الظن خلق فريد وأمر حض عليه الإسلام ، وهو من أبرز أسباب التماسك الاجتماعي على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع ، حسن الظن راحة للفؤاد وطمأنينة للنفس وسلامة من أذى الخواطر المقلقة التي تفني الجسد ، وتهدم الروح ، وتطرد السعادة ، وتكدر العيش ، بفقده وتلاشيه تتقطع حبال القربى وتزرع بذور الشر وتلصق التهم والمفاسد بالمسلمين الأبرياء ، لذلك كان أصلاً من أصول أخلاق الإسلام ، وعليه فلا يجوز لإنسان أن يسيء الظن بالآخرين لمجرد التهمة أو التحليل لموقف ، فإن هذا عين الكذب " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث
الأصل في الإنسان العاقل أن يبني أحكامه ومواقفه على العلم كما يقول تعالى: ﴿ولاتقف ماليس لك به علم﴾ حينما تريد أن تحكم على شخص معين، أو أمر ما، فعليك التأكد والتثبت من صحة الأدلة والبراهين، فالقاضي مثلاً لا يصدر حكماً إلا إذا توفرت له الأدلة والبراهين التي يدّعم بها حكمه. والعالم الفقيه لا يعطي فتواه إلا بعد مراجعة الأدلة التي يحتاجها لاستنباط الحكم الفقهي للمسألة. وهذا يعطينا منهجية واضحة بيّنة لما ينبغي أن يمارسه الإنسان في كل تفاصيل وجزئيات حياته عندما يريد أن يحكم على شيء معين. فالأحكام ينبغي أن تبنى على أسس علمية منطقية لا ذاتية او مصلحية .
ولأن الظن يبقى متأرجحاً بين النفي والإثبات، بين الصحة وعدمها، لذا ينهى القرآن الكريم عن إتباع الظن والتعويل عليه في الحكم على الآخرين ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم﴾
ويقول رسول الله: «إن الله حرم على المسلم دمه وماله وعرضه وأن يظن به السوء»[1] فإساءة الظن بالآخرين كالاعتداء عليهم وسرقة أموالهم وهتك أعراضهم، فكلها أمور منهي عنها شرعاً. إلا أن سوء الظن اعتداء معنوي، في حين ان الاعتداء على دماء الناس وسرقة أموالهم وهتك أعراضهم اعتداء مادي.
والأسف كل الأسف أن الاعتداء على سمعة الناس وخدش واغتيال شخصياتهم أصبح أمراً طبيعياً عندنا خاصة في مواسم الانتخابات لسرقة او احتلال مواقع ليسوا اهلا لها ، وهو خطأ كبير لا اخلاقي .
فقال رسول الله وهو يجيب سائلاً عن المسافة بين الحق والباطل وكما يروى أنه وضع أصابعه الأربعة بين عينه وأذنه ثم قال: «ما رأته عيناك فهو الحق وما سمعته أذناك فأكثره باطل»[5] فقد يكون هناك شهود عدول أو بينة لكن في غير هذه الحالة فأكثره باطل خاصة في ظل تواجد الكثير من مروجي الكذب والاشاعات لاغراض مادية او مصلحية او كيدية ينشطون في مواسم الانتخابات .
وعن رسول الله انة قال «اطلب لأخيك عذراً فإن لم تجد له عذراً فالتمس له عذراً»[6] .
ويقول احد العلماء: (لو رأيت شخصاً وبيده قدح به خمر وهو على فمه يرتشف منه فإنك يمكن أن تحمله على أنه مجرد مضمضة أو أنه لم يعلم أنه خمر).
هكذا يربي الإسلام الإنسان على أن يكون حسن الظن بالآخرين، ما أحوج مجتمعاتنا إلى الأخذ بحسن الظن سواء على المستوى الفردي أو بين الجماعات فنحن نواجه مشكلة في العلاقة بين الجماعات، كل جماعة تسيء تفسير تصرف الجماعة الأخرى، ولعل تصرفاً فردياً يصدر من أحد الأفراد فيحسب على الجماعة بأكملها وهذا غير صحيح، من أخطأ هو من يتحمل المسؤولية.
ترى من يحكم على عمل ما بأنه حسن ويدعمه بكل قوة ما دام من قام به شخص من شلتة او دائرته، ولكن متى ما قام شخص ما بنفس العمل ولكنه من دائرة غير التي ينتمي إليها فالحكم هنا يكون بالعكس.
ينبغي على كل إنسان مؤمن عاقل أن يتجاوز هذه الحالة وينظر إلى الآخرين نظرة إيجابية، ولو جال في خاطره تصور خاطئ على شخص ما فعليه أن لا يبنيَ عليه موقفاً قد يضر أو يسيء به إلى الآخر، فذاك إثم وظلم نهى عنه الشرع القويم، ويرفضه العقل السليم.
الكاتب : علي يوسف المومني aliyos6@yahoo.com