حسان الرواد
مع بدء التحركات وعلى مختلف المستويات, الحزبية والفكرية والعشائرية للوصول إلى المجلس النيابي القادم, ظهرت أصوات وطنية تطالب بمقاطعة الانتخابات النيابية مبررة ذلك بنوايا غير صادقة تنتهجها الحكومة ستؤدي بالنهاية لمجلس نيابي مكرر طبق الأصل عن المجلس النيابي السابق إن لم يكن أسوأ بالطبع, ولعل أبرز الحجج لديهم في الدعوة للمقاطعة تكمن في بقاء قانون الصوت الواحد سيء الذكر والذي يعد أساس البلاء, وبالتالي ومن وجهة نظرهم فإن نوايا الحكومة مع بقاء هذا القانون لم تتغير.
وما بين الأصوات التي تنادي بمقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة, أو التي تدعو إلى المشاركة بكل قوة وفاعلية من جهة, أو بين الحكومة التي تدعو إلى المشاركة في انتخاب مجلس نيابي قوي على حد تعبير رئيس الوزراء, فلا بد من توضيح بعض الأمور التي يجب أن يعيها الناخب الأردني الذي سيكون له دورا كبيرا في صياغة المجلس القادم ولو بنسبة معينة بالرغم من أن قانون الصوت الواحد بات ولهذا الحين أمرا واقعا.
إن الأردن يمر وبلا شك بمرحلة حرجة جدا تهدد وجوده وأمنه, ولا يخفى على أحد المطامع الصهيونية في بلدنا واعتباره مشروع الحل النهائي لقضية فلسطين, وتصريحات الإسرائيليين ونواياهم حول ذلك ليست سرا أو حكرا على فئة معينة, بل تمثل كافة المستويات الرسمية والشعبية هناك, ولا يمكن لنا أن نبقى اتجاه هذا الخطر واضعين رؤوسنا في التراب كالنعام, ومعتقدين وهما بُعد الخطر عنا وكأن الأمر لا يعنينا, وقد ركنت حكوماتنا لهم مراهنين في ذلك على معاهدة وادي عربة.
كما أن الأردن يمر بوضع اقتصادي سيء نتيجة تخبط الحكومات, و الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة, وسوء التخطيط والمزاجية في القرارات الهامة غير الموفقة, والتي تؤدي كلها إلى زيادة الضرائب على المواطنين, بالأخص أصحاب الدخل المحدود الذين يتحملون نتائج هذه السياسات فلا يجدون من يدفع عنهم هذا الظلم والإجحاف في ظل غياب المعارضة الوطنية القوية وغياب المجلس النيابي المأمول منه أن يرتقي إلى مستوى التحديات, ومن هنا أيها المواطن الناخب يجب أن تعلم أن المقاطعة تؤتي أكلها فقط عندما تدعو لها معارضة وطنية قوية ممتدة من أقصى الوطن إلى أقصاه وتستجيب لها شريحة واسعة جدا, ولغياب مثل تلك المعارضة المؤثرة فلن يستفيد من دعوة المقاطعة إلا الحكومة التي ستؤمّن مجلسا قادما بالمقاص الذي تريد, وتمرير ما تريد, والخاسر الأكبر هو الوطن والمواطن الذي سيجني ثمار المجلس الضعيف, وقد أثبتت التجارب السابقة سلبية المقاطعة عندما تكون الدعوات ضعيفة وغير مؤثرة, ولذلك لا بد أن تكون أيها المواطن سواء كنت شابا, أم هرما, وأينما كان موقعك يجب أن تكون ناضجا وفاعلا وعلى قدر المسؤولية في اختيارك ومشاركتك هذه المرة, وأن تضع بحساباتك أن الوطن أولا, وهو المقدم على العشيرة والأهل والمال والمصالح الضيقة والوعود البراقة التي تذهب أدراج الرياح وتبقيك عاضا على أصابعك ندما على الذي غشك وكذب عليك لقاء صوتك, فلا أنت كسبت منه, ولا انتصرت للوطن باختيارك النائب الأمثل, بل يجب عليك أن تفخر بأن صوتك كان لنائب الوطن القوي حتى لو لم يقدم لك خدمات خاصة, كما أن نائب الوطن سيخفف من حاجة الناس في الوقوف على أبواب النواب منتظرين عطفهم لحاجات يمكن أن تتحقق تلقائيا لو كان اختيارنا الصحيح لنائب الوطن الغيور على كل ذرة من ترابه؛ لأنه سيصحح الكثير من الأمور التي تخفف العبء عن كاهل المواطن وكاهله هو أيضا.
أيها الناخبون أنتم بتصويتكم هذه المرة وحسن اختياركم تساهمون وبدرجة كبيرة في حماية الوطن من كل أعدائه المنظورين أو القابعين خلف ستار الوطنية والمصالح العامة, كما أنكم ستساهمون في صنع مستقبل بلدكم و المحافظة عليه, فلا تقللوا من دوركم هذا. واعلموا أن هذه الانتخابات مصيرية وهامة وتتطلب منا التفكير مليا بمن سننتخب, كما أن العشائرية مرهونة ببقاء الوطن وليس العكس, فلا تدع العصبية القبلية إذا كانت إفرازاتها سلبية وغير موفقة تطغى عندك على مصلحة الوطن.
أما إذا ما ثبتت عمليات التزوير كما في الانتخابات السابقة لإقصاء الشخصيات الوطنية المنشودة, وثبت حرص الحكومة على إيصال الضعفاء وأصحاب المصالح الضيقة الذين لا يمثل لهم الوطن سوى الكعكة المحلاة التي يتسابقون لقضمها, وبالتالي دعمهم بالوسائل المختلفة, فما عليكم بعد ذلك إلا أن تكفروا بكل حكومة وللأبد, إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
rawwad2010@yahoo.com