كيف كان الناس يمارسون حياتهم في عمان في النصف الثاني من القرن الماضي ؟ فقد كان الراديو هو الجهاز المسيطر والمنتشر بين الناس نظرا لعدم اختراع التلفزيون بعد ، فيقوم الشخص بتقليب زر المحطات على الاخبار احيانا او المسلسلات الاذاعية او البرامج الفكاهية وكلها كانت عبر اذاعات عمان والقدس ولندن والقاهرة وصوت العرب ودمشق وينطلق من هذا الجهاز صوت عبدالوهاب \"كل ده كان ليه\" او فريد الاطرش \"الربيع\" او فيروز صباحا او عبدالحليم حافظ \"صافيني مرة\" او صوت سميرة توفيق بأغانيها الاردنية \"أسمر خفيف الروح\" او \" بالله تصبوا هالقهوة\" (كانت القهوة رخيصة الثمن آنذاك) او اغنية توفيق النمري \" قلبي يهواها\" او اغنية سعاد هاشم \"طيارة يمه بتحوم فوق حارتنا\". اما الاذاعة الاردنية فكانت تستحوذ على جمهور المستمعين عبر برنامج \"مضافة ابو محمود\" وصوت مازن القبج في كل صباح يقول \" اخي المزارع\" واحيانا تستمع لعزف منفرد على البزق للفنان جميل العاص او تستمع للاخبار عبر اصوات المذيعين الكبار امثال حيدر محمود وابراهيم الذهبي . وعندما افتتح التلفزيون الاردني عام 1968 كانت هناك برامج مشهورة مثل برنامج\" فكر واربح\" لرافع شاهين وآخر لعمر الخطيب وكان الناس ينتظرون نشرة اخبار الثامنة مساء باطلالة سمير مطاوع او عدنان الزعبي او سوسن تفاحه او جبر حجات او محمود ابو عبيد وكان التلفزيون الاردني يغلق شاشته قبل منتصف الليل فلم يكن لافضائيات ولا حتى تلفزيونات اخرى تصل الى مناطق عما ن الا التلفزيون السوري في بعض المناطق.
ايام مرت وكان جواز السفر يكتب بخط اليد ودائرة الجوازات في جبل عمان وليس لها اية فروع. اما المواصلات فكانت الباصات العمومية هي الوسيلة السائدة بالاضافة الى (شوية ) تكسيات فمعظم الناس تستعمل الباصات في تنقلاتها داخل عمان واجرة الراكب كانت قرش ثم ارتفعت الى قرشين. اما الصحف (المنار والدفاع) كانت تباع الواحدة بنصف قرش وكان هناك جريدة اسبوعية مشهورة هي جريدة \"اخبار الاسبوع\" لصاحبها عبدالحفيظ محمد. اما المراسلة والرسائل فكانت الوسيلة المتبادلة بين الناس وبعضهم له هواية جمع الطوابع. بائع الحليب يطرق بابك صباحا ليبيع الحليب الطازج .
الخبز غير متوفر في الافران كما هو اليوم فعلى ست البيت ان تعجن الطحين وتقطعه وتضعه على الفرش ليأخذه ابنها الى الفرن القريب فيخبزه ويتكرر هذا كل يوم واذا حضر العيد فتقوم ست البيت بتحضير عجينة المعمول او الغريبة او الكعك وترسله الى الفرن لخبزه .
كان الشاب يتباهى امام الناس بارتداء قميص \"البرلون\" ويذهب مع اصدقائه للسينما او الجلوس في المقهى حيث كانت المقاهي في عمان مشهورة مثل مقهى السنترال ومقهى الجامعة العربية ومقهى الاردن ومقهى حمدان وكانت هذه المقاهي هي المتنفس لأهالي عمان ولأي مواطن يأتي من المدن والقرى الاخرى . اما الحفلات فكانت تقام على المدرج الروماني كحفلات فريد الاطرش ووديع الصافي وحتى فرقة التزلج العالمية اقامت رياضاتها عليه بالاضافة الى حفلات الملاكمة وخاصة بين الملاكمين فهد الطنبور واديب الدسوقي.
وفي عام 1968م شهد اهالي عمان الدبابات والمدرعات الاسرائيلية المعطوبة والمدمرة محملة على شاحنات الجيش الاردني تخترق شوارع عمان بعد انتصار الجيش الاردني على الجيش الاشرائيلي في معركة الكرامة . وفي ايام الزمن الجميل لم يكن هناك شركات أمن ولم يقف رجل أمن Security امام اي وزارة او دائرة حكومية او اي شركة فكان المواطن يدخل اينما يريد بكل يسر وسهولة ولم يكن صعبا ان تقابل اي مسؤول في اي وزارة، حتى ان ان أحد رؤساء الوزارات السابقين خصص يوما في الاسبوع لمقابلة اي مواطن والاستماع الى مظلمته او مشكلته والعمل على حلها في الحال (اين هذا الزمن الجميل؟)
اما طلاب المدارس فكانوا يسيرون على الاقدام ذهابا وايابا الى مدارسهم وبعضهم يركب الباص العمومي ويدفع اجرته نصف قرش ، وكان الطلاب في المدارس ينشدون الاناشيد الوطنية صباحا في الطابور قبل الدخول الى الصفوف ، ناهيك عن احترام الطالب للمعلم وعدم التطاول او الاعتداء عليه. اما التدريب العسكري في المدارس فكان يهذب ويعلم الانضباط. اما التجنيد الاجباري فيدخل الشخص الى مصنع الرجال في المعسكر ويجتمع في الخيمة ابن الغني وابن الفقير على السواء وربما تنشأ بينهما صداقة وألفة. متنزهات الرصيفة كانت المتنفس لأهالي عمان في كل الأوقات وخاصة متنزه لبنان في الرصيفه.
في الاعراس كانت توزع \"المطبقيات\" على الحاضرين وتقام الحفلات امام البيوت او بالساحات بين البيوت فلم تكن صالات افراح آنذاك . وكان الناس يتبادلون الزيارات في كل المدن والقرى والهاتف الثابت كان الوسيلة الوحيدة بينهم وكانت الخطوط والارقام الهاتفية غير متوفرة بشكل كبير ، حيث كان الناس يستعملون البرقيات والرسائل البريدية.
الكاتب: بسـام العـوران