قوبل التعديل الوزاري على حكومة الرفاعي بارتياح كبير، وخاصة بخروج وزراء التأزيم، الذين ساهموا بالقسط الوافر في تدني شعبية الحكومة، والتململ منها، وعدم الثقة بتصرفاتها. ولا أخفي أسفي على خروج وزير التربية والتعليم الدكتور إبراهيم بدران، رغم أني دعوته في مقالة بعنوان \"السبت الأسود\" للاستقالة إبان فضيحة نتائج الثانوية العامة، وأن يتحمل المسؤولية الأدبية عنها، كونه المسؤول الأول والأخير عن كل ما يحدث في وزارته.
صحيح أن الدكتور بدران تسبب أيضاً في إشعال فتيل أزمة المعلمين بعد هفوته الشهيرة، إلا إن هذه الهفوة تسببت في أن يتحقق في عهد وزارته مالم يتحقق للمعلمين خلال عشرين عاماً أو يزيد، ورب ضارة نافعة، فقد حصل المعلمون على علاوة تعليم بنسبة 20%، وتمت مضاعفة أجور الثانوية العامة مراقبة وتصحيحاً، وأقرت المكرمة الملكية لأبناء المعلمين، وتم الاعتراف بضرورة وجود كيان مهني للمعلمين، سيبدأ باتحاد، ولا بد أن يتوج بنقابة للمعلمين في نهاية المطاف بمزيد من التفاهمات والحوارات والاحترام المتبادل بين المركز والميدان، وبين المعلمين وحكومتهم.
الدكتور إبراهيم بدران وللإنصاف رجل فكر وعلم، مثقف واع متفهم، لطيف ومحاور، قهرته الظروف، وحاصرته المشاكل، ولم تترك له فرصة لينفذ برنامجه ورؤيته التربوية، فلم يزل في طور تعرف عمل وزارته حتى هوجم بفضيحة نتائج الثانوية العامة، ولم ينته من تبعاتها حتى تفجرت أزمة المعلمين التي ما زالت حتى اللحظة، ثم أقدم على تحويل عدد من المعلمين على الاستيداع في خطوة غير موفقة أظنها زُينَّت له، ومن أشار عليه بها قصد أن يدق في نعش عهده بالوزارة المسمار الأخير.
الدكتور بدران كما عرفته -ذات لقاء- كان مهموماً جداً بالتربية والتعليم، ومتعاطفاً مع المعلمين، ويتفهم حاجتهم للنقابة، ولكنه يتذرع بالمانع الدستوري وهو المبرر الحكومي الذي لا يستطيع التنصل منه، وكان يأمل أن تنصف الوزارة بجميع مكوناتها، وأن تظهر أعمالها للناس، فرغم الرماد فهناك خير كثير، وإنجازات عديدة، وقصص نحاح تفوق الحصر، ولكن الزبد هو ما يظهر على السطح دائماً.
يخرج الدكتور بدران من وزارة التربية، كما لا بد أن يخرج يوماً مهما طال به المقام، ولكنها سنة الحياة، ولعبة السياسة التي كان معاليه ضحيتها، ولكني أؤمن أن كل المنصفين سيتذكرون الدكتور بدران بالاحترام والتقدير، فقد حاول أن يصنع شيئاً، وأن يؤسس لتغيير جذري في وزارة التربية، ولكن قوى الشد العكسي ومعاول الهدم أبت عليه ذلك، وحاولت جاهدة أن تضع العصي في الدواليب كرهاً وخوفاً من التغيير، لأن التغيير الحقيقي سيبدأ بكنسها وإزالتها باعتبارها عقبة وحملاً زائداً.
استرح يا دكتور بدران، فقد جربت المسؤولية وضريبتها، وآن لك أن تراجع حساباتك، وتوازن أمورك، وتدرك أن الطريق ملأى بالعثرات والحفر والمطبات، وأن لكل زمان رجاله، وأن الرياح لا تأت كما تشتهي السفن، وثق أن تجربة الوزارة قد منحتك خبرة عميقة، وأطلعتك على خفايا لم تكن تتوقع وجودها، وواجهت ظروفاً وضغوطاً لم تتخيل أنك ستتعامل معها في يوم من الأيام، ولا بد أنك أدركت أن الخط المستقيم ليس بالضرورة هو أقصر الطرق.
أدرك أن مقالتي هذه ستقابل بالاستنكار، ولكن الحق يجب أن يقال، فإن الرجل قد تعرض لظلم كبير، ولم تترك له أية فرصة لالتقاط أنفاسه، وأن المشاكل واجهته من كل حدب وصوب، وتحمل مسؤولية كبيرة جداً بشجاعة، نيابة عن الحكومة. وأعجب من هفوة أثارت المعلمين وأغاظتهم، وطالبوا على إثرها بإقالة الوزير، وهم محقين، رغم أن هفوات كبيرة تحدث هنا وهناك ولا تحرك ساكناً، فلا أظن أن هفوة مهما بلغت يمكن أن تقارن بفرض ضريبة جديدة، أو رفع المشتقات النفطية دون مبرر، وهذا يدلل على أدب الرجل وسعة صدره وقدرته على الصبر والتحمل، فوداعاً يا دكتور بدران ... والله يعطيك العافية ... واعلم أن الخيرة فيما اختاره الله .... وكله خير.
mosa2x@yahoo.com