أسوأ ما يمكن لحكومة في العالم ان تواجهه ليس انعدام الثقة البنيوية بينها وبين الناس على غرار حكوماتنا المتلاحقة و التي طالت معظم الحكومات على مدار سنين عديدة وفي منعطفات تاريخية هامة ، بل هو تحول الأزمة تلك إلى أزمة أخلاقية تنشأ بفعل مسلك تلك الحكومات ، فتحدث تلك الأزمة الأخلاقية العميقة بين الحكومات وبين الناس بفعل تراكم الأخطاء والممارسات التي يرفضها الناس او يدينونها ولا يرتاحوا لها أبدا ، وحتى بين الحكومات وبين حتى الحلفاء ممن كانوا على مقاعد الوزارة اورئاسة الحكومة كذلك .
تتراكم تلك الأزمة البنيوية التي لا تتغير بتغير الحكومات او إجراء التعديلات على طاقمها كما حدث مؤخرا في حكومة الرفاعي بل إن التغيير هو تغيير أفراد لا سياسات ، لأن الوزرا الجدد لا يحملون أصلا أفكارا وبرامج تغيير تذكر ومعظم الناس يعرفهم ويعرف توجهاتهم !! وهنا تكبر الأزمة و تتحول إلى أزمة أخلاقية يرفض كل منهما الاستماع للأخر واحترام رأيه ، فالحكومات ترفض من جانبها كل دعاوى التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد والمحسوبية ، لأنها لم تؤسس لعمل وطني وديمقراطي حقيقي يفرز تيارات وأحزاب وطنية معارضة تساهم ببناء الوطن وحمايته ورفعته يتجاوز أفرادها المصالح الشخصية والشللية التي كانت توصم بها تكتلات البرلمان على مدار الدورات ، فتحولت برلماناتنا بفضل تلك السياسات إلى كانتونات يقودها أفراد يشكلون بقدرة القادر هذه الكتل خلال أسبوع لاعتبارات المناطقية والشللية والمحسوبية وينعم كل منهم بمجوعة من الأسماء تسانده في السراء والضراء ولو كانت على حساب الوطن !!
تعززت تلك الأزمة الأخلاقية كذلك بفضل ردات فعل غريبة عجيبة مارستها الحكومة باستخدام الملاحقات القضائية والوظيفية لتصفية حسابها مع أصحاب حقوق مشروعة تتعلق بهموم نقابية أو مهنية أو معاشيه ، فكان ما كان من إجراءات اتخذت بحق العديد من المواطنين وزجهم بالسجون بتهم لا تتعلق بمطالبهم وتحركاتهم ومنهم كذلك من لاحقته إجراءات النقل التعسفي والإحالة على الاستيداع في خطوة لم يعرفها الناس أبان الحكم العرفي طالت العديد من المعلمين ! وتصم كذلك الحكومات والحكومة الحالية الأذان عن تجاوزات تطال المؤسسات المختلفة ومنها الوزارات وتصرف الوزراء وكذلك ما كثر الحديث عنه دون اهتمام من قبل الحكومة والذي يتعلق بتسهيلات وصول بعض المرشحين إلى البرلمان عبر تقديم الخدمات والتسهيلات المختلفة وتدفع ثمنها تلك المؤسسات ومنها البلديات الكبرى التي طالب الناس بضرورة حلها بسبب تلك التجاوزات لأنهم يجيرون مقدرات تلك المؤسسات لبضع أفراد امتهنوا الفساد والمحسوبية في مسلكهم وهاهم يعملون على ترشيح أنفسهم لتولي مقعد التشريع والرقابة والمحاسبة في اكبر مؤسسة وطنية وديمقراطية !!! فانظروا كيف سيكون شكل برلماننا القادم في ضل وصول هذه الفئة المتسلقة على جدار الفساد والبلطجة والمحسوبية ، ! وبات الناس يتحدثون عن أسماء مرتقبة ستشغل مقاعد البرلمان منذ اللحظة بفعل ما سيمنح لها من تسهيلات ودعم لوجستي يفوق التصور ، فانظروا كيف سيكون شكل البرلمان القادم !!!
لم تكن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها الوطن و المواطن هي السبب وراء تلك الأزمة الأخلاقية بين الحكومة والناس ، بل أن مسلك تلك الحكومات هو من أسس لمثل تلك الأزمة الأخلاقية ، فلم تعد الناس تثق ببرامج ومشاريع تلك الحكومات ولم يعد لها مصداقية تذكر حتى فيما تورده أحيانا من نتائج ايجابية .
انعدمت الثقة وماتت مصداقية تلك الحكومات وتراجعت الرغبة لدى الناس في المشاركة الفاعلة في بناء المؤسسات الوطنية وترسيخ الديمقراطية التي تشوهت بفعل قانونها المتخلف وأساسها الضعيف وإجراءاتها العجيبة التي لم ولن يرتاح لها المواطن الذي يخشي المشاركة في عملية انتخابية يعرف نتائجها مسبقا !!! ، ومن هنا تراجعت نسبة الراغبين بالمشاركة في الانتخابات إلى الحد الذي اقلق الحكومة رغم رفضها الاعتراف بحقيقة الواقع المحزن ، وحتى لو ارتفعت أرقام المواطنين المشاركين في الاقتراع فذلك سيكون مرده إلى ما ستتخذه الحكومة من إجراءات وتسهيلات تبدع بها لرفع نسبة المشاركة كما كانت تجري العادة كي تحافظ من جديد على تلك الأزمة الأخلاقية والمصداقية المفقودة بل وتؤسس لازمة أخرى قد تواجهها البلاد لاحقا حين يرفض الجميع تلك الصيغ والقوانين ويعلن عصيانه العام عن المشاركة مطلقا ، لأنه سيشعر بحالة الاغتراب عن تلك الدولة ، وتلك هي آس الأزمة الأخلاقية الرافضة للتعامل مع الدولة التي قد تنشأ لا سمح الله !! فهل ستعيد الحكومة للناس جزءا مما فقدته من ثقة و تؤسس لجدار ثقة جديد يمنحها الشرعية ألحقه ! ام سيترك للناس الخيار التوجه إلى قوى إصلاح قد تكون متطرفة لا سمح الله للخلاص من الأزمة !!