هناك ملامح قوية تشير بأن المسات الأخيرة للضربة القاضية وبضربة واحدة "لعالمنا العربي ، وإيران" قد اقتربت، وأصبحت واضحة جداُ لمن يُريد أن يراها ، والسؤال هل نقراءها جيداً ونحاول التعاون لإبطالها أم سنتغابا لتنفيذها إن أي مراقب يلاحظ هذه الملامح :
1- مهد الاعلام الامريكي كي يُفهمنا أن الخلاف الشخصي بين اوباما ونتنياهو هو خلاف حقيقي و"ظاهرة غير مسبوقة "، لأقناع النظام العربي وإيران بأن الولايات المتحدة قد تختلف مع اسرائيل لدرجة كسر العظم، و تسعى لتحقيق مصالحها بغض النظر عن مصالح اسرايل .
رغم تأكيد اواما في أكثر من مناسبة بأن أمن اسرائيل هو أمن امريكا، الا أن الكثير في عالمنا العربي صّدق ذلك ويتحدث عن خلاف بين الدولتين، وبات يُردده اعلامنا العربي بطريقة المنتصر وكأنها حقيقة .
لو نفكر ولو للحظة ، ما الذي فعله العرب حتى تُغير امريكا سياستها تجاهنا على حساب اسرايل، وما هو المتغير الخطيرفي اسرائيل أو في امريكا حتى يُغير ثوابت في استراتيجية الولايات المتحدة بعد تاريخ حافل من الدعم الامريكي الغير محدود لإسرائيل ومدها بالاسلحة المتطورة الفتاكة ومؤازرتها وتأييدها في الامم المتحدة والمحافل الدولية، فبعد كل هذا التأييد و الدعم و المواقف، كيف نقبل أن نصدق ذلك وهناك شواهد كثيرة.
ماذا عن موقف الكونجرس الامريكي عندما دعا نتنياهو لإلقاء خطاب أمام اعضاء الكونجرس ، و فحواه دعماً مباشراً قوياً له ولسياساته أمام الجمهور الاسرائيلي قبل الانتخابات بأيام ، و ماذا عن قول اوباما أن نتنياهو صديقه الحميم و أكثر زعيم ويستطيع التفاهم معه .
وماذا ايضاً عن مواقف الكونجرس الامريكي حول التفاهم على البرنامج النووي الايراني ووصفه بأنه تفاهم بين اوباما وإيران وليس مع الولايات المتحدة وسيتغير الموقف تجاهه بغير الرئيس ،وهذا أيضاً يتفق مع موقف نتنياهو من التفاهم، وربما هي رسالة للمستقبل بأن لا شرعية لهذا التفاهم وحتى للاتفاق المستقبلي إذا حصل .
2- الظاهر أن اوباما يُؤيد التحالف لإعادة الشرعية في اليمن ، لكنه لم يُقدم أي شيئ لدعم لدول التحالف ، ونسمع أصوات في الغرب كثيرة تنتقد التحالف، و هذه دلالات لعدم إضفاء الشرعية الدولية على ما يقوم به التحالف ، و زاد على ذلك قوله إن “التهديدات التي يواجهها حلفاء واشنطن من العرب السنة قد لا تكون قادمة من جهة ايران ، وانما من الاستياء داخل بلدانهم”.
فماذا نفهم من هذا الحديث، الم يعطي الضوء الأخضر لزج ايران بالازمة في اليمن بشكل مباشر، لتوسيع الازمة و تصبح غير قابلة للحل .
3- في مناسة اخرى وجه أوباما انتقاداته الى “العرب السنة”، أرسل لهم رسالة واضحة بقوله بأن الادارة الامريكية لن تخوض حروبهم وتضحي بابنائها من اجل طمأنتهم والقضاء على اعدائهم، طالما انهم لا يريدون خوض هذه الحرب بأنفسهم، والوقوف بموقف المتفرج او الممول عن بعد ، رغم دعم الدول العربية لكل تحالف نظمته امريكا .
وهنا نستطيع أن نفهم بأن الصورة التي فهمتها دول الخليج العربي بأن أمن الخليج مسؤولية يتحملها الغرب ويدافع عنها ببوارجه و أساطيله ، أصبحت اكذوبه أكدها اوباما بنفسه، كما أرسل شرارة أخرى حين كان صريحا جدا تجاه هذه المسألة عندما قال “لماذا لا يمكننا رؤية عربا يحاربون ضد الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان او يقاتلون ضد ما يفعله الرئيس بشار الاسد في سورية”.
إن الهدف واضح من هذا القول، فبإتساع الهوة و قطع الطريق على أي اتفاق على حُسن جوار مستقبلي بين الدول العربية و إيران ، وما الرضا الامريكي على بناء جيش عربي الذي اقترحه السيسي لعدو غير معلوم، الا لجمع العرب لمحاربة عدو واحد هو ايران، تحاربه الجيوش العربية مجتمعة وبتمويل عربي، فتدمَر القوتين العربية والايرانية العسكرية ويُدمر اقتصادهما دون أن تخسر الولايات المتحدة أي شيئ ، بل بالعكس ستكسب في بيع الاسلحة اثناء الحرب ، و تفتح أبواب واسعة لتقوم بلإعادة إعمار هذه الدول بعد دمارها لا سمح الله ، وما محاولة زج تركيا في مثل هذا التحالف الا ليكون الدمار أكبر والضرر اوسع .
هذا المخطط الأمريكي الواسع للقضاء على كل القوى العسكرية و الاقتصادية في الشرق الاوسط ، لتكون الضربة القاضية لمن يفكر بمعاداة اسرائيل ، و ليُصبح الشرق الاوسط اسرائيلي بمتياز ..
من كل هذه المعاناة والضياع الذي عشناه ، أما حان الوقت كي نصحوا و أن نحدد نحن من هو عدونا ومن يُعادينا فعلاً، و ليس ما يُحدده لنا الآخرين من أعداء و اصدقاء ، يجب أن يقتنع النظام العربي الرسمي بأن أمريكا تُثبت كل يوم أن لا صديق ولا حبيف دائم لها ، وإن مصالحها ومصالح اسرائيل هي الثابت الوحيد الذي لا يتغير، وما يناسبها اليوم لا يناسبها غداً، وان الصداقاتها والتحالفاتها لها مدة صلاحية تنتهي بإنتهاء المصلحة، أو تضاربها مع مصالح آخرى .
يجب أن يقتنع النظام العربي الرسمي أن لا يُقلع شوككها الا أياديها ، أن يكون للعالم العربي شخصية اعتبارية مستقلة ، واضحة المعالم واضحة الاهداف ، يتعامل مع الآخر وفق المصالح وليس وفق التبعية له ، و أن يُصبح له استراتيجية تفرضها حاجاته ومصالحه وليست مفروضة عليه من الخارج، أو ناتجة عن ردود افعال لأحداث تُصنع له ليسير خلفها .
في النهاية ، إن مقابلة اوباما في صحيفة الـ”نيويورك تايمز″، ومع توماس فريدمان بالذات، تعتبر وثيقة غاية في الاهمية ، يجب أن يستفد منها النظام العربي و ايران و تركيا ، للعمل لما يُجنبنا ما تخطط له امريكا واسرايل في الخفاء، و يجب أن نركز على ما يحقق و يخدم مصالحنا ، ونركز على ما يجمعنا وليس على ما يفرقنا ... أتمنى من الله الهدى ، والله أعلى و أعلم .