لم يكن غريبا ما ذكره رئيس السلطة الفلسطينية في حديثه للصحافة المصرية عن مناقشة الزعماء العرب إثناء قمة سرت الليبية موخرا لفرص شن حرب على إسرائيل ! بعد استعراضهم للقوى المسلحة العربية وإمكانات النصر ، ثم تلاشى الأمر دون ان يستكمل احد مناقشته . ولا ندري سبب توقف الزعماء عن مناقشة فرص الحرب مع إسرائيل ، وكذلك لم يورد الزعيم الفلسطيني أسباب التفكير بالحرب لدى القادة العرب في القمة الاخيره .
لا يستطيع احد أن ينفي ما أورده رئيس السلطة من تصريح ، فحالة الجمود والتعنت وضرب كل المبادرات العربية في عرض الحائط سياسات إسرائيلية أحرجت الزعماء العرب جميعهم وخاصة المراهنون منهم على تسويات سلمية يسعون خلفها منذ عقود خلت لحل الأزمة ، فتعاقبت أجيال وحكومات وزعامات ومواجهات عسكرية و سياسيه لم تؤد نتيجة ترضي العرب، بل تفاقمت الأزمات إلى تدخلات ومؤامرات وحروب واغتيالات نفذتها إسرائيل بحق العرب لم يسلم منها احد من البحر إلى النهر ، وازدادت الغطرسة الإسرائيلية واتسعت نحو المقدسات و العمل على تهويدها وقامت بإحراق المساجد وهدمها في تطور يوحي بنزاع عقائدي ووجودي تقوده حكومات العدو غير عابئة بشعوب وقادة الدول أو باتجاهات الرأي العام العالمي ومنظماته الدولية وقراراته المتعددة .
العرب فكروا بالحرب على غرار ما نفذته سوريا ومصر عام بإعلان الحرب على إسرائيل عام 1973 من اجل تحريك الوضع السياسي وليس تحرير الأرض من اجل إجبار إسرائيل والعالم على بدء مباحثات سياسية لحل الأزمة ، وصار أن انفردت إسرائيل بعدها بالدول العربية ضمن اتفاقيات سلام منفردة لكسر الترابط وليس الوحدة بين دول والمواجهة تبعتها منظمة التحرير والأردن وأقامت بعض الدول مكاتب رعاية لها في إسرائيل .
التفكير بالحرب وارد لان القادم إذا ما توقفت إسرائيل عن غطرستها هو اخطر مما سبق ، ومخططاتها نحو دول الجوار واضحة لا نقاش في صحتها ، أخطار تحدق بالأردن ومصر والعراق وسوريا ولبنان قد تعني تغييرات كبيرة بأنظمة تلك الدول وجغرافيتها السياسية والديموغرافية التي ستطال دولها تبعا للمخططات الإسرائيلية التوسعية ، وأخطار تحدق بدول وحتى بزعماء النفط وجدلية السيطرة على منابع النفط وتجفيف بؤر دعم الإرهاب وتحالفات أمريكية وإيرانية وحتى إسرائيلية ستنفذ على غرار ما تحقق من تفاهمات أمريكية وإيرانية في العراق لم يكن الزعماء العرب راضون عنه الذين يجد البعض منهم في إيران تهديدا مباشرا لمصالحهم ونفوذهم في المنطقة على عكس إسرائيل التي استطاعت تطويع المارد الإيراني وموافقتها على مشروع إضعاف العراق ومن ثم تحقيق الحلم الإسرائيلي بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم ضعيفة .
التلويح باستخدام القوة العربية لو استمر رسالة عربية في المقام الأخر موجهة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تساند بقوة كل السياسات الإسرائيلية التوسعية والاستيطانية ورفض ممارسة أي ضغط عليها لتغيير سياساتها الهمجية ، وتنكر الولايات المتحدة للحقوق العربية ومساندتها لكل سياسات التوسع والاستيطان التي تمارسها إسرائيل ، بالإضافة الى التحالفات الأمريكية الجديدة في المنطقة لحساب قوى إقليمية أخرى قد تكون على حساب العرب ومصالحهم وحتى في استمرار وبقاء أنظمتهم .
قد لا تبدو المعركة متوازنة او متكافئة إن وقعت بين إسرائيل والعرب ، ولن تجدي نفعا في ضل التفوق الإسرائيلي والدعم الأمريكي .
إن البحث عن أداة وسلاح جديد لإركاع إسرائيل ووقف سياساتها الهمجية وإجبار الولايات المتحدة الأمريكية على إعادة قراءة رؤيتها وتحالفاتها في المنطقة لن تحققه حروب التحريك التي قد تنشأ عن الشعور بالإحباط والخذلان من السياسات الإسرائيلية والأمريكية ، بل إن إعادة وتجديد انتفاضة الشعب الفلسطيني ودعم قوى التحرر الفلسطينية هو السلاح الوحيد المتبقي بيد العرب لتحقيق التسوية ، ودون ذلك فأن المراهنة على مشاريع التسوية والمفوضات المباشرة والوساطة الأمريكية والتعاطي الإسرائيلي الايجابي مع المبادرات العربية ليس إلا وهم وضعف يرفض القادة الاعتراف به ويمنح إسرائيل وقتا إضافيا لتحقيق مشاريع الهيمنة والتوسع وإعادة رسم المنطقة بما يناسب المشاريع الاستعمارية للولايات المتحدة الأمريكية . .