زاد الاردن الاخباري -
انتشرت ظاهرة "العنوسة" بالمجتمع الأردني في الآونة الأخير، وليس عنوسة الفتاة فقط كما هو متعارف عليه، وانما عنوسة الرجال أيضاً، مما يهدد وجود الأسرة اذا استمرت بالازدياد كما يهدد المجتمع ومنظومة القيم المتوارثة والسائدة، حيث تنذر بعواقب وخيمة تصيب مجتمعنا وتهدد مستقبل الأجيال والحياة العامة، ولا بد من محاصرتها والحد منها وإيجاد الوسائل المناسبة لعلاجها .
"العنوسة" تعني ارتفاع سن الزواج وتتنامى مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي وهي لم تعد تشمل الإناث فقط بل الذكور ايضا، لكن ثقافة مجتمعنا تركز على عنوسة الاناث كمشكلة كبيرة ومؤثرة اكثر مما تركز على عنوسة الرجال وعزوبيتهم باعتبارها خيارا حرا للذكر بينما الأنثى لا تتمتع بمثل هذا الخيار ولا ترغب فيه .
ولطالما تناولت الإحصاءات والدراسات عنوسة الفتيات وجرت العادة أن يطلق لقب أو كلمة أو صفة عانس على الإناث ولكنها للرجال أيضا، فجاء في لسان العرب "العانس من الرجال والنساء هو الذي يبقى زماناً بعد أن يدرك لا يتزوج. يقال: رجل عانس ، وجمعه: عانسون".
فعنوسة الرجال لا تقل أهمية وتأثيرا من النواحي الاجتماعية والنفسية رغم تجاهل الكثيرين لهذه المسالة ربما للاعتقاد السائد بأن تأخر سن الزواج لا يمثل مشكلة قوية ومؤثرة بالنسبة للشاب كما هي للفتاة.
ولأهمية ومخاطر عنوسة الرجال نتطرق إلى هذا الموضوع للبحث عن الأسباب الاقتصادية و الاجتماعية والدينية التي أدت لتلك الظاهرة .
دراسات مرجعية
وفي دراسة حديثة لجمعية العفاف الخيرية أعدها الخبير عادل بدارنة وأشار من خلالها إلى ارتفاع نسبة العزاب من الذكور في الأعمار من 15 سنة فأكثر من 38,3% سنة 1979 إلى %40 سنة 2004 ، ووصلت إلى %46 سنة 2008 ، في المقابل انخفضت نسبة المتزوجين لنفس الأعمار من 60,3% سنة 1979 إلى %54 سنة 2004 ووصلت إلى %53 سنة 2008.
وأشارت الدراسة بحسب إلى ارتفاع نسبة العزوبية في الأعمار أقل من "30" سنة بالنسبة للذكور ، حيث إن نسبة غير المتزوجين في فئة الأعمار 20 - 24 ، 25 - 29 سنة قد ارتفعت من 53 % ، 31,5% على التوالي سنة 1979 إلى 94,6% ، 65,2% سنة 2008.
وارتفع متوسط سن الزواج بالنسبة للذكور من 20 سنة عام 1961 إلى 26 سنة عام 1979 ووصل إلى 29,5 سنة عام 2008 ، وفي المقابل ارتفع متوسط العمر عند الزواج الأول بالنسبة للإناث للفترة ذاتها من 17,6سنة عام 1961 إلى 21 سنة عام 1979 ووصل إلى 26,4 سنة عام 2008.
وبالنظر والبحث في هذه الدراسات نجد ان هذه ارتفاع نسبة العنوسة لم يأت من فراغ انما له العديد من الأسباب، فمن المسئول عن هذا الارتفاع ، الشاب أم الفتاة أم الظروف الاقتصادية والإجتماعية؟
وقال مفيد سرحان مدير جمعية العفاف الخيرية : "إن من أهم أسباب تأخر سن الزواج بالنسبة للذكور هو ارتفاع تكاليف الزواج مقارنة مع متوسط الدخل لدى الشريحة العظمى من الشباب والمتمثل في ارتفاع تكاليف حفلات الزفاف والأثاث وارتفاع أسعار الذهب والعقارات والشقق السكنية والإيجارات وغيرها من متطلبات الزواج".
وأضاف سرحان أن العادات والتقاليد السائدة ساهمت في زيادة التكاليف حيث التقليد الأعمى للآخرين والمباهاة والتبذير الذي يرافق الكثير من الحفلات .
كما ساهم انتشار التعليم العالي عند الجنسين في ارتفاع العمر عند الزواج، حيث أدى هذا إلى زيادة الشروط والمواصفات التي يشترطها البعض في الفتاة كالتعليم والوظيفة والصفات الجمالية المتميزة.
وبسبب الظروف الاقتصادية، فإن الكثير من الشباب يبحثون عن الفتاة العاملة لتساهم في نفقات الأسرة وفي المقابل فإن الفتاة المتعلمة والعاملة تزيد من الشروط الواجب توفرها في الشاب من حيث الوظيفة والمستوى الاجتماعي.
وتشمل أسباب هذه الظاهرة بحسب الدكتور عزمي منصور رئيس قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة عمان الأهلية، هي التنشئة الاجتماعية .
فأشار الدكتور منصور أهمية التنشئة الإجتماعية التي تعد النشء منذ الصغر لتحمل المسئولية وتيسير أمور الزواج بعيدا عن التعقيدات ومظاهر الترف ورسوخ المفاهيم الدينية التي تحض على الزواج كحصانة للشاب وستر للانثى وسيادة الاعراف والتقاليد الاجتماعية واعتبار الزواج مصاهرة وقربى وتقوية للعلاقات الاجتماعية وعدم تعرض المجتمع للاعلام الغربي وانماط ثقافية غريبة عن ثقافته .
وعن الأسباب الاقتصادية للعنوسة قال الدكتور منصور : " انها تتمثل بارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وندرة فرص العمل وانخفاض وتدني مستوى الاجور والرواتب وارتفاع اسعار المساكن واجورها وارتفاع المهور وتكاليف حفلات الزفاف ولجوء بعض الاهالي الى تاخير زواج بناتهم العاملات للاستفادة من رواتبهن."
وقال الدكتور منصور : "إن هناك اسبابا نفسية للعنوسة تتمثل بالاحباط العام واللامبالاة وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية وانخفاض التقدير للذات والعقد النفسية من الجنس الاخر وفقدان الشعور بالامن والثقة بالنفس والمستقبل والخوف المرضي من الزواج وخوف ابناء المطلقين من الارتباط والميل للانفصال وعدم الرغبة في الالتزام من خلال الزواج وتفضيل استبدال الزواج باللعب او الادمان.
واكد الدكتور منصور انه لهذه الاسباب يمكن ان نفسر "العنوسة" التي باتت ظاهرة تهدد المجتمع لما لها من اثار سلبية يمكن استنتاجها من انتشار الزواج العرفي نظرا لقلة التكلفة واللجوء الى طرق بديلة غير شرعية والاغتصاب والشذوذ والازمات النفسية والادمان على المخدرات وانهيار منظومة القيم التي تشكل عامل الضبط الاجتماعي والبحث في تكنولوجيا المعلومات عن المواقع الاباحية او استغلال تكنولوجيا المعلومات لممارسة الشذوذ.
وعن دور جمعية العفاف الخيرية في التسهيل على الشباب المقبل على الزواج قال سرحان : "إن الجمعية تقوم بنشر التوعية وتثقيف المجتمع بأهمية الزواج وبناء الأسرة من خلال المحاضرات والندوات والمطبوعات كما تقوم الجمعية بإجراء الدراسات التي تبين حجم ظاهرة تأخر سن الزواج وتقدم الجمعية المساعدات النقدية والعينة للمقبلين على الزواج".
وعن تنظيم حفلات الزفاف الجماعي قال سرحان: "إن الجمعية تتكفل بجميع نفقات هذه الحفلات إضافة إلى تقديم مجموعة من الهدايا النقدية والعينة للمشاركين".
وختم مدير جمعية العفاف الخيرية القول بأن مسئولية التصدي لظاهرة تأخر سن الزواج هي مسئولية مشتركة، فالشاب مسئول والفتاة مسئولة والأسرة كذلك والمجتمع عليه مسئوليات وواجبات اتجاه أبنائه.
وحول كيفية القضاء على هذه الظاهرة، اكد مساعد امين عام وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية لشؤون الدعوة والارشاد الدكتور عبد الرحمن ابداح مساعد امين عام وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية لشؤون الدعوة والارشاد الدكتور عبد الرحمن ابداح أنه لا بد من اغلاق كل منافذ الرذيلة والفساد وتعقيم القنوات الاعلامية وحمايتها من كل ما يشينها وتسهيل امر الزواج وتخفيف المهور والحذر من كل صور الزواج الذي لا يعدو ان يكون قناعا للرذيلة والفساد مثل زواج المسيار والعناية بمؤسسة الاسرة وتحصينها من كل اسباب الوهن والانهيار واقامة العلاقات الزوجية على المحبة والاحترام.
وقال انه لا بد من دراسة اسباب ارتفاع نسبة الطلاق واثارة الوازع الديني في نفوس الاباء الذين يمنعون زواج بناتهم من الاكفياء رغبة في مالهن او في وظيفتهن وان يفهم المسلم بان الله سبحانه وتعالى يمقت الانسان الذي يخالف قوله فعله، كما ان للدولة اسهاما لا بد منه في حل هذه الظاهرة.
فهناك شباب كثيرة تعمل بوظيفة بمعدل راتب شهري مقداره 300 دينار، ومنهم الشاب سامر، حيث لا يكفيه وحده فكيف الحال كما تساءل "بوجود أسرة والتزام؟"، ولفت سامر إلى أنه تقدم لطلب يد عدد من الفتيات قبل اتخاذه قرار العزوف هذا فكان الجواب بالنفي لأنه وبحسب تعبيره "لا يخضع لمواصفات العريس المناسب او الجاهز".
وفضل سامر العيش وحيدا كما قال "على العيش مع عروس وديون يسددها أبناؤه من بعده ليقيم احتفالا ويجهز منزلا بأحدث شاشات العرض".
وتحدث الثلاثيني "وائل" متزوج ولديه أطفال عن احد أصدقائه الذي لا ينفك ينصحه بالزواج قائلا: "إن العامل النفسي يقف أمام إكمال صديقه لنصف دينه".
وأشار"وائل" إلى أن الجو الأسري الذي نشأ فيه هذا الصديق كان جوا مشحونا بالمشاكل الأسرية التي أدت فيما بعد الى انفصال والديه "
وأضاف وائل: "اعتقد ان ضحايا الطلاق لديهم خوف من الارتباط بسبب ما تشكل من صورة متعبة ومرهقة للزواج في مخيلتهم".
وأكد مجموعة من الشباب الجامعي أن عملية الإختلاط تسببت في فقد الكثير من الرجال للثقة في المرأة، كما أكدوا إيمانهم المطلق بان "العمر" لا يعيب الرجل في مسألة الارتباط وتوقيتها .
ومن جانبهم أكد بعض الشباب ان الغالبية لا يفكرون في الزواج قبل بلوغهم العقد الثالث، والسبب من وجهة نظرهم يعود إلى التغيرات الاجتماعية العميقة مثل اللامبالاة وعدم الرغبة في تحمل المسئولية والإحباط العام وفقدان شعورهم بالأمن والثقة بالنسبة للمستقبل ، وهذه العوامل مجتمعة تأتي قبل العامل الاقتصادي الذي يتمثل في الدخل المتدني وندرة فرص العمل والبطالة المتزايدة.
فيما أبدى السبعيني "محمد عبدالغني" والذي تزوج وهو في عمر الثالثة والعشرين إنزعاجه من عزوف الشباب عن الزواج وتأخيرهم لسن الزواج قائلا: " لا اجمل من ان يكبر المرء ويكبر ابناؤه معه".
وأضاف "ليس من الجميل وجود فجوة عمرية بين الاب وابنائه فهذا يصعّب الامر على كليهما".