من منا هذه الأيام لم يصاب بالجنون وهل نريد شهادة لدخول المستشفى.
نعيش هذه الأيام بظروف صعبة سواء اقتصادية أو مالية أو نفسية وغلاء مستمر على كل أنواع المورفين وأدوية الأعصاب والكافيين فأسعار القهوة العالمية بارتفاع والدخان المحلي بارتفاع وكل المسكنات بارتفاع ولو كنت مكان الحكومة الحالية لأوجدت المسكنات في مياه الشرب والحشيش في السيجارة المحلية ليتسنى لهذا الشعب الانبساط والضحك ولو لساعات قليلة ...
ضروريات الحياة أصبحت شبه معدومة والكماليات متوفرة لشريحة قليلة من المجتمع والفواتير قاهرة والأرقام الجديدة لا تطاق ومتطلبات الحياة الجديدة في ازدياد دائم.ومؤشر ضريبة(يا غافل الك الله)في ارتفاع دائم وهناك عبارة جديدة على فواتير المياه(الدعم الحكومي) وهذا مؤشر لقرب زوال مفعول ( تحميله الريفانين) في أي لحظة لإقناع الناس بأن الدعم الحكومي يرهق الدولة ويجب إزالته فهو أشبه بسترة النجاة لغريق. تكلفة الحياة لبعض المسئولين تكفي لإشباع قرية وتسوق بعض زوجات مسئولين تبني مدرسة.
فأين العدالة الاجتماعية.فوارق الحياة كبيرة.
ففي أغلب الأحيان تجد لكلب الحراسة والقطة المدللة أكبر اهتمام عند البعض أكثر من أخوه الإنسان.
من منا لا يتمنى الصحيان مبكرا وسماع الكلمة المستحيلة (انخفاض في الأسعار على بعض المواد الأساسية)
ومن شدة الضغوط قررت المشي ليلا لاستنشاق بعض الأوكسجين ولمحت شخص كان يقال عنه في المنطقة
بأنه درويش(مجنون) بلغة الجاهلية اقتربت من هذا الرجل وأشار لي بأنه يريد سيجارة فقط وجلست بجانبه وأشعلت له سيجارة ونظرت لملامحه وبدأت بالسؤال هل أنت سعيد بحياتك هذه فأشار للسماء وقال الحمد والشكر لرب العالمين على كل شيء فسألته هل أنت جائع فقال لي بأن الأكل يأتيه بشكل يومي من الجيران ويفضل الأكل البيتي فهذا الدرويش لا يهمه الراتب الشهري ولا الصحيان المبكر ولا نوع السيارة ولا الموبايل الحديث ولا يوجد له سجل إجرامي ولا يوجد عليه فواتير هاتف ولا يهمه الملابس ولا يهمه الزواج من فتاة جميلة ولا يهمه شراء سيارة حديثه وفي الأثناء طلب سيجارة أخرى ولم يكن مدركا ثمنه الجديد ولا الضريبة الجديدة ولا الغلاء الفاحش على معظم المواد الأساسية وبحركة صبيانية (قرصته من خصره) وقلت له حابب تتزوج ضحك ضحكة قوية فأضحكني معه هالملعون.
وقال لي (المجانين لا يتزوجون) ففكرت بكلامه قليلا وسئلت نفسي من هو المجنون فعلا أنا أم هو....
فقال لي لا أحد يطلب منه إحضار الخضار ولا إيجار منزل ولا انتخاب مجلس نواب ولا أقساط مدرسية .
فهو سعيد بكل شيء حوله فأطفال الحي كلهم أولاده ونساء الحي تحضر له أطيب الطعام ويطلبون منه فقط الدعاء لهم بطول العمر والصحة الدائمة فهو ينام بأي وقت يريده ويصحوا بأي وقت لا يأبه بالمناسبات ولا الزيارات العائلية ولا نجاح فلان ولا موت فلان ويتمتع بصحة جيدة. فلم يرى طبيب لغاية ألان بحياته ولا يفكر بالموت ولا بحجم قبره. ولا بالمستقبل البعيد ولا يأبه لزواج ابنته فهو دائم الابتسامة ولا يشعر بالملل ولا بالضجر ولا بالبورصة ولا بالأزمات المالية ولا الاقتصادية.
لا يفكر ببرد الشتاء ولا بحر الصيف ولا غلاء الأجور ولا غلاء المهور ولا أسعار البترول ولا بناء القصور
فهو في نعيم ويعيش في دنيا أخرى فهو طائر بلا أجنحة والاهم هو دخوله الجنة بلا حساب ولا عقاب (فهو يؤذى ولا يؤذي) فهو العاقل ونحن المجانين كم تمنيت مكانه أسبوع واحد فقط
فرفض طلبي هذا وقال لي لا مكان لك عندي فكن عاقلا وارجع إلى بيتك واترك المجانين بحالهم
فعالم المجانين أنقى وأعذب وأصدق من عالمكم فنحن لا نعرف الحسد ولا القتل ولا الانتحار ولا نسرق ولا نبيع أكباد البشر ولا نأكل حرام فنحن نخاف الله أكثر منكم أجبني ألان من منا العاقل ومن منا المجنون.
ما لذة العيش إلا للمجانين.
هاشم برجاق