أ.د. مصطفى محيلان
إن ما يلاحظه المتابع لحال جامعاتنا، من تآكل لمواردها، وتراجع في نموها، وهبوط مستوى قدراتها، وعدم جاذبيتها لكوادرها التدريسية، باعث على الحزن، ولكنه في ذات الوقت مدعاة للتحرك، وعمل كل ما من شأنه النهوض بها، إذ أنها صروحنا الأكاديمية، قبلة للدارسين ومعاقل للعالمين، هي بالنسبة لنا بالذات كأساتذة لم نغب عنها يوماً، نور عقولنا، وربيع قلوبنا، نعمرها بالنهار، وتعمر تفكيرنا في الليل، نرتبط بها كأكاديميين ارتباطا مصيريا، فلا هي تبقى من دون أساتذتها، ولا هم يجدون للعيش طعماً أو معنى من دونها، ولا يسمحون حتى بأن يمسها الضرر لا سمح الله، وعليه فهي، ونحن، نعيش معاً، الآن معركة البقاء.
إن جامعاتنا مقبلة على عهد إداري جديد واعد، في ظل التغيير الذي طرأ على قانون الجامعات الرسمية، والذي أنهى خدمة الإدارات الحالية لها، وعليه فلا بد للإدارات القادمة من أن تتخذ بعض الإجراءات الضرورية التي لا بد منها، ولو في حالات خاصة، ألا وهي إجراء دراسة الجدوى الاقتصادية، إذ أنني أرى أنه من الجرأة والحكمة معاً، فعل ذلك، إن أردنا بمؤسساتنا خيراً، فهو طبعاً إجراء لا بد من اتخاذه، وضرورة تنفيذه من الآن فصاعداً قبل أن يتم استحداث أي شعبة أو قسم أو كلية أو مركز أو فرع , لا بل دعوة لإجراء هذه الدراسة للموجود فعلاً من هذه الصروح، بدافع تقييم أدائه، وإنمائه وأدامته وازدهاره، وللبعض الآخر منها مسألة بقائه من فنائه، فمن منا لا يراجع نفسه، وخطة عمله من حين لآخر ؟ ألا ينبغي أن يكون اتخاذ القرار المتعلق ببقاء أو تجميد أو توسعة أو إغلاق جزء من الجامعة، مبني على أسس علمية واقتصادية، تَحمِل تنسيب أهل الاختصاص، وتُحمِلهم تبعات تنسيباتهم التي سيبني عليها الوطن قراراته؟.
أعتقد بأن كل جامعة أو مؤسسة علمية تضم بين جنباتها تخصصا يعنى بهذا الجانب \"قسم اقتصاد\" وأرى أنه من الضروري العودة إلى الرأي الاقتصادي من الآن فصاعداً كمرجع هام ، دائم، وملازم، وشرط أساسي، قبل اتخاذ أي قرار على أي مستوى كان، مع العلم بأنني لا أدعو من وراء ذلك لاستحداث المزيد من المواقع الإدارية الجديدة للقيام بهذا الجهد، إذ أن الجامعات تغص بها أصلاً، وهذا الجانب بحد ذاته يتطلب دراسة جدوى خاصة به! إنني أدعو إلى استغلال الطاقات الكامنة لدى المختصين في جامعاتنا في هذا المجال، وذلك من قبل الإدارات القادمة لها، حتى تتمكن جامعاتنا من تحديد أولوياتها المستقبلية بطرق علمية مدروسة غير ارتجالية، في ظل الظروف المالية الصعبة التي تمر بها جامعاتنا.
إذاً وبكل بساطة ومن دون حرج أقترح على رؤساء الجامعات القادمين الجدد محط الآمال، بأن يتخذوا الإجراءات اللازمة من أجل إجراء دراسات للجدوى الاقتصادية لجميع الأقسام والكليات والفروع الموجودة الآن في جامعاتهم، وخاصة المتعثرة منها والتي بات البعض منها على وشك الإغلاق إن لم يكن قد أغلق فعلاً، للوقوف على حالها عن كثب، وتكون نتيجة تلك الدراسات هي الكلمة الفصل لما ينبغي أن يتخذ من إجراءات تصحيحية.
السؤال الآن: هل سيكون ذلك مكلفا؟ لن يكون مكلف بقدر ما سيكلفنا إياه إبقاء قسم لا يوجد به الحد الأدنى من الطلبة، أو من المدرسين، أو من الإمكانيات، على حد سواء، وعلينا هنا أن لا ننسى أو نتناسى ما يحل بسمعة الجامعة التي تقبل الطلبة ولا تُعلِمهم حسب الأصول؟!! عند سؤالي أحد الزملاء في الجامعة عن تكلفة أجراء الجدوى الاقتصادية لمثل هذه الحالات، أخبرني بأنه قد يجريها كجزء من عبئه الأكاديمي ومن دون مقابل.
بقي أن نُعرّف الجدوى الاقتصادية للسادة القراء، وكما ورد من أحد المصادر الموجودة على الشبكة العنكبوتية بأنها: \"عملية جمع معلومات عن مشروع مقترح، ومن ثم تحليلها لمعرفة إمكانية تنفيذ، وتقليل المخاطر، وربحية، واستدامة المشروع، وبالتالي معرفة مدى نجاح هذا المشروع، أو خسارته أو إدامته واحتياجاته، وذلك بدراسة البيئة، والدراسة الفنية، والدراسة المالية ، ومعرفة الموقع المقرر للمشروع وتوفير الكادر الكافي وأجور العاملين، وتكلفة المشروع، وما هي مصادر الدعم المالي، وديمومتها، وتحديد التكلفة الكلية للمشروع بما فيها الدخل الشهري والإجمالي, والاختبارات المالية لقياس الجدوى وغيره \". ألا توافقوني الرأي من أننا بحاجة ماسة للانتباه إلى ذلك مستقبلاً، وأن مسؤولية أي فشل يحمله من وُليَ أمر جامعة سابقاً، وأن الأمل معقود على الإدارات القادمة للجامعات، لتصويب المسار وتوثيق الخطى؟
muheilan@hotmail.com