حين يكتب كاتب ما او يتحدث وزير ما عن المسؤولية التاريخية والوطنية والقومية وبكلمات كبيرة وضخمة توحي للعيان أن هناك انقلابا كبيرا ستشهده الساحة الأردنية جراء قرار الحركة الإسلامية بمقاطعة الانتخابات القادمة ، وما تمثله تلك المقاطعة من خيار يكاد أن يصل إلى حد الخيانة العظمى للدولة الأردنية يجعلني أقف حائرا أمام مضمون وفحوى تلك المسئولية ، وماهية النتائج الهائلة المدمرة حسب تعبيرهم بسبب القرار الذي خرجت به الحركة الإسلامية مؤخرا ، فقرار المقاطعة لم يكن عبثيا ، والقرار لم يتخذه فرد أو خمسة أو عشره ، بل اتخذته قواعد الجبهة بأغلبيتها العظمى بعد دراسات وحوارات بين شد وجذب اقنع تلك الأقلية البسيطة أصلا بجدوى المقاطعة وتحمل تبعات القرار .
القرار بني وكما يعلم الناس على أحداث وتطورات ومسلك انتهجته الحكومة الحالية منذ توليها المسؤولية ، فلم تشرك احد بصياغة وإعداد القانون رغم وعود الرئيس بضرورة مشاركة الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية بصياغة القانون ، فتنكرت الحكومة وأدارت ظهرها لتلك الوعود وخرج القانون كما توقع الناس مخيبا للآمال ولا جديد به يذكر ، ثم تحدثت الحكومة عن اعتماد جداول الناخبين للانتخابات السابقة التي شهدت عمليات نقل وتلاعب وتزوير تشهد المحاكم الحالية دعاوي اتهامات واضحة لبعض المسئولين عن التزوير ! كذلك تشهد معظم مناطق المملكة الانتخابية تسهيلات وتلاعب وتوجيه لدعم لعض المرشحين من اجل إيصالهم إلى قبة البرلمان في مواجهة مرشحي الحركة الإسلامية منذ بداية الحملة في مختلف الدوائر وفي عمان خاصة التي ستشهد كما يشاع اعتماد مراكز انتخاب جديدة لم تعتمد سابقا تهيئ الفرصة لبعض المرشحين التلاعب والتزوير وإبعاد الناس قسرا عن الإدلاء بأصواتهم لغير المرشح المطلوب ، وكذلك وضعت مقدرات وإمكانات بعض المؤسسات وعلى رأسها البلديات الكبرى في تصرف أولئك المرشحين لينهلوا من خيراتها وأموالها وتوزع على شكل هبات مالية ومساعدات إنسانية وتنظيم رحلات الحج والعمرة ودعم الجمعيات والمخاتير والروابط العائلية وحتى الهيئات الرياضية التي استفادت من تلك المنح بإيعاز وتسهيل من أمناء ورؤساء البلديات وعلى عينك يا تاجر ! فطالبت الناس والحركة الإسلامية بضبط تلك التصرفات ووقف التلاعب بمقدرات هذه المؤسسات ولكن تلك الدعاوي لم تجد أذان صاغية لدى الحكومة التي كانت تدرك أهداف تلك المفاسد وتسمح بها .
كذلك فأن الحركة الإسلامية واجهت ضغوطات وتحديات مارستها الحكومات تتعلق بوضع يدها على جمعية المركز الإسلامي ومؤسساته الخيرية والمالية بحجج ضبط الفساد ومراقبة ما يجري عن كثب ، علما ان تلك الجمعية وما تقدمه من خدمات او مساهمات وطنية عالية الجودة والانضباط لم تشهد أي تلاعب او مفاسد بل إن إمكاناتها وقدراتها المالية قد توسعت وكبرت وتعددت خدماتها بسبب الضبط والربط وغياب الفساد او المحسوبية والشللية التي تعيشها أجهزة الدولة برمتها ، إضافة إلى تضييق الخناق عليها في كل مناسبة أو مهرجان تضامني او وطني كانت تسعى لتنفيذه ، وكذلك ما شهدته الحركة من تدخلات واسعة لإبعاد بعض الرموز الإسلامية عن مواقع صنع القرار داخل الجبهة ، وحتى في رفضها تعيين المراقب العام لحركة الإخوان في المستشفى الإسلامي ، علما ان أغلبية قرارات تعيين كبار المسئولين ينبع من أسس المحسوبية والشللية لمواطنين أحيانا غير أردنيين أو ممن ثبت ضعفهم وعدم قدرتهم على إدارة المؤسسات او الوزارات التي تولوا إدارتها ! فكيف تنهى الحكومة عن خلق طيب وتأتي بخلق سيء !!
كذلك توحي توجهات الحكومة وإجراءات التسجيل والنقل وإشراك العديد من أبناء الوطن من كبار المسئولين السابقين والمتقاعدين العسكريين لخوض الانتخابات إشارات غير مريحة توحي بوجود نوايا التلاعب والتزوير وإيصال أولئك المرشحين إلى قبة البرلمان ، ويشاع أن الكثير منهم يؤكد وجود أضواء خضراء من قبل الحكومة والأجهزة المعنية تساهم بوصولهم إلى القبة ، الأمر الذي يسهل عليهم استقطاب الناس والتفافهم حولهم لما يتمتعون به من دعم ومساندة يستطيعون من خلالها الحصول على الخدمات التي ينتظرونها . بعيدا عن مرشحي الحركة الإسلامية الذين لن ينالوا من الحكومات غير الصد والرد أن تعلق الأمر بخدمات الناس .
وأمام هذا كله وأكثر ، أليس من حق الحركة الإسلامية أن تخشى ركوب السفينة وتنطلق بها نحو برلمان لا يعكس توجهات الناس الحقيقية ولا قرار تصويتها النزيه بقدر ما يعكس نتائج تلاعب وتزوير وتسهيل قدم للبعض كما فعلت في برلمانات ومجالس بلدية سابقة !!! إذا الحكومات هي من يدفع الحركة او غيرها لقرار المقاطعة وهي غير عابئة بقرار المقاطعة لأنها تستطيع إدارة العملية والظهور بمظهر المتفوق في إدارة الانتخابات وزخم المشاركة وإيصال المرشحين المرغوب بهم إلى القبة ، ولكن الخاسر الوحيد هو الوطن الذي تجرءوا عليه وعلى حقوقه في برلمان قوي ونواب وطن وامة حقيقيين وليس مجرد شخصيات كرتونية سبق للوطن ان شهد العشرات منهم في المجالس السابقة .