الحكومة مازالت صامدة في وجه الانتقادات الشعبية التي نجمت عن سلسلة القرارات الأخيرة التي اتخذتها فهناك ما يصب منها في مصلحة الحكومة مباشرة وأولها كان التعديل الحكومي فرغم الأداء السلبي للوزراء الذين خرجوا من التشكيلة إلا أن خروجهم كان لإطالة عمر الحكومة وليس بالأساس لأنهم عملوا ضد مصلحة الشعب أو عملوا على إساءة استغلال السلطة والتحكم بلقمة عيش أبناء هذا البلد وبمصيره عماله وطلابه ، فهناك الكثير من المسئولين الذين ما زالوا يحتلون مقاعدهم الوظيفية العليا ولم يتم تغييرهم وهم يظهروا رغبة واضحة وقوية في امتلاك السلطة بالقوة وليس فقط لحبهم للعمل العام الموجه لخدمة هذا الوطن .
ما يتردد على ألسنة الحكومة أنها ورثت عجز كبير غير مسبوق في الموازنة العامة ، فالعجز كان دائما موجود خلال السنوات الماضية وإن كانت النسب أقل من السابق ، ولم يكن هناك أي دور للسياسة المالية في وضع خطط مدروسة لضبط الإنفاق الجاري وترشيد الرأسمالي الذي أرى أنه يجب أن يكون في أدنى مستوياته طالما أنه أعطي للقطاع الخاص زمام المبادرة، وأن هناك جزء كبير من المشاريع تلغى وتحول مخصصاتها إلى مشاريع أخرى في مدن أخرى أو تحول البنود إلى نفقات جارية ترصد في حسابات رأسمالية ، وهذا يعطيها صفة متدنية الأهمية في حسابات الموازنة العامة ، فالشوارع هي نفسها تعج بالآف السيارات ، ومنذ فترة طويلة لم يكن هناك إعادة هيكلة للبنى التحتية سواء في الشوارع أو الكهرباء أو المياه خاصة في المحافظات خارج العاصمة ، فالفوضى فيها واضحة وسمات التخلف والفقر دليل على عجز الإدارات المحلية عن إدارة شؤون المدن ،وليس هناك حسيب أو رقيب على رئيس البلدية أو أعضاء المجلس البلدي والمحسوبيات والواسطات هي حلقة الوصل بين أعضاء هذه المجالس وبين الوزراء وأصحاب القرار الحكومي في العاصمة .
المزيد من الضغوط الاجتماعية تهدد فئة كبيرة من الشعب ومن العائلات المستورة وتجعله عرضة للانزلاق في المحظور ، فهناك الكثير من العائلات التي لا تجد قوت يومها وهي كانت في السابق تعيش حد الكفاف ، والحكومة تتوعد بالمزيد من الضرائب والرسوم ولا تسمع للآهات التي تطلقها هذه العائلات فلا مستقبل مبشر بالخير ولا حاضر يحفظ الكرامة لهم، والهدف هو مواجهة عجز الموازنة فما ذنب هذا المواطن أن يتحمل أخطاء الغير من مسئوليه ووزراءه ، ولماذا لم يتعهد وزير المالية بخفض الضرائب على البنزين وعلى الخلويات أو حتى إلغاءها حال تحقق الهدف منها وانخفض العجز إلى المستويات المأمونة أو المستهدفة ، ولماذا لم يتم وضع قانون صارم لمراقبة الأسعار خاصة ونحن على أعتاب شهر رمضان والمدارس .
الحكومة تخلت عن دورها الاقتصادي لصالح القطاع الخاص ، هذا الدور الذي لم يستطيع الأخير أن يفهمه بصورة واضحة فجل همه هو استغلال المواطن وتحقيق المزيد من الأرباح دون النظر إلى مسؤوليته الاجتماعية وإلى الجانب الاجتماعي الذي يجب أن يمارسه تجاه مجتمعه وأبناءه . فالقطاع الخاص قطاع ربحي غير مؤسس على عقلية مهنية أو احترافية تدعم دوره الذي يسد الفراغ الذي خلفه تراجع القطاع الحكومي .
أموال الضمان الاجتماعي يجب أن لا تكون لقمة سهلة ولا حتى حساب مفتوح للحكومة تغرف منها ما تشاء ومتى تشاء وتصرفها وتحولها بالآلية التي يراها كل مسئول جديد ، فهذه أموال الأردنيين هدفها حفظ ماء الوجه لمن صرف الكثير من سنوات عمره في خدمة الوطن ، وهي لا تعتبر مكافأة أو منة بقدر ما هي ضرورة تحمي آباءنا وأجدادنا من غدر الأيام ، فالمساس بها سوف يكون بداية كارثة اجتماعية وشعبية تهدد وتقوض أركان البناء الاقتصادي العام بكل محتوياته .
سوق العمل بحاجة إلى المزيد من الإصلاح خاصة معالجة التشوهات في الرواتب وهيكل الأجور ، والدراسة الحكومية لإنهاء خدمات 7540 موظف أرى أنها ضربة أخرى للنسيج الاجتماعي وهو الذي يعني إضعاف القوة الشرائية لنحو 7540 آسرة بالمتوسط لأن الراتب بعد التقاعد أو الاستيداع سيكون عرضة للانخفاض وليس الزيادة ، وهذا كله غير مهم ولكن الأهم هو توفير 19 مليون دينار ، مبلغ صغير قد يكون حساب توفير لأحد المسئولين ، أو يمكن استيفاءه كضريبة من أحد البنوك العاملة حال تحسنت عملية تحصيل الضرائب منها ، بالمقابل سوف تعوض الحكومة هذا العدد ب 4500 موظف جديد بحد من الرواتب السنوية لا تتجاوز 15 مليون ، فلماذا كل هذا اللف والدوران طالما أن الأثر صفر ولكن ربما ليقال أنه تم خلق 4500 وظيفة جديدة في الاقتصاد كدليل على النمو الاقتصادي والتحسن في الأداء العام .
التعيينات الحكومية في المناصب العليا مازالت تتم بنفس الرتم والطريقة الكلاسيكية فالكفاءة والاختصاص ليست معياراً للتعيين ولا يوجد هناك معايير قد يتم الاستناد إليها ، فالمعرفة والواسطة أهم معيار لذلك ، وهي ذات الأسماء مازلت تتداول فتخرج سنة وتعود بعدها إلى منصب آخر ، وتكاد عملية التغيير بطيئة جداً بحيث لا يمكن ملاحظتها .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
Nsour_2005@yahoo.com