لا يركز في جولات الوزراء والمسؤولين الميدانية على الانجازات العامة التي يسعى هؤلاء المسؤولين إلى افتتاحها وتدشينها ، ولا على الأرقام المصروفة على تلك المشاريع والمنجزات ، ولا على أهمية تلك المشاريع على الصعيد الوطني ، بل يأخذ الإعلام بالتركيز على الوزراء والمسؤولين أنفسهم ، والكاريزما التي يتمتع بها هؤلاء الوزراء و المسؤولين ، إذ لولاهم ما كان هناك منجزات ولا مشاريع ولا من يعملون .
وما أن تفتح على مواقع بعض الوزارات الالكترونية حتى تباغتك صور الوزير ومسؤولي الوزارة على الصفحة الرئيسية للموقع ، صورة لمعاليه وهو يقّص شريط الافتتاح لمشروع ما، صورة لمعاليه وهو يقف وسط مسؤولي الوزارة في احدى المناطق وهو يجيل النظر بعيداً بنظارته السوداء ويديه تشتبكان على مستوى صدره من دون أن تلاحظ وجود لربطة عنق تزّين طلتّه البهيّة ، صورة لمعاليه وهو يفتتح أعمال مؤتمر ما وتبدو عليه آمارات الجدّية ، صورة لمعاليه وهو يستقبل السفير الفلاني في عمان لاطلاعه على آخر منجزات وزارته ، وستجد الكثير من الصور على تلك الشاكلة.
ليس هذا نقد لأحد من الوزراء والمسؤولين ممكن أكنّ لمعظمهم الاحترام والتقدير، بل هذه مجرد ملاحظات تتعلق بالاعلام الحكومي في الوزرات والدوائر الحكومية ، اذ قلمّا يتم التركيز إعلامياً على انجاز الموظفين في الميدان ، وقلمّا يؤخذ بالاعتبار إبداع موظف ما في دائرة ما استطاع أن يقدم شيئاً مفيداً لدائرته ، وتستطيع على هذه الشاكلة أن تجد الكثير مما هو مغيّب عن الناس نتيجة التركيز المقصود على انجازات معالي الوزير!!
مجرد التركيز والاهتمام بالموظفين و إنتاجيتهم ، يعد شكلاً من أشكال التحفيز ، و إهمالهم وتغييبهم وعدم الاكتراث لما يقدمّوه سيحبطهم ، ولن تساورهم أدنى رغبة في أن يبدعوا أو يطوروا في عملهم ، وهؤلاء مع الوقت سيتحولون إلى عبء على الوظيفة العامة ، ومع مرور الوقت سينعكس أدائهم سلباً على المجتمع المحلي وعلى جودة و نوعية الخدمة.
هناك ثقافة شائعة عند الناس هي أن ما يقدمّه موظفي الفئات العليا أهم بكثير مما يقدّمه الموظفين في الفئات الدنيا، وهذا إجمالاً غير صحيح ، فقد تجد أن إنتاجيّة موظف في أدنى السلم الوظيفي هي أهم بأضعاف من هم في درجات متقدمة من ذات السلم ، هذا من دون التقليل بحساسية الوظائف العليا وأهميتها ، ومع ملاحظة أن الجميع شركاء في تحقيق أهداف الوزارة أو الدائرة، لذا فمن الأمانة أن ينصف الاعلام هؤلاء الموظفين الذين يقضون نهارهم في تقديم الخدمات ، هؤلاء حقاً هم جنود الوطن المجهولون .