الكاتب : فيصل تايه
كان يوماً جميلاً و مباركاً لأبنائنا الأعزاء طلبة الثانوية العامة .. نقشوه بالجدِّ والاجتهاد.. وزيّنوه بالفرح والسعادة .. فكان عرساً وطنيا. . نحتفلُ به على شرفهم كل عام.. هذا الامتحان .. الذي أصرت وزارة التربية والتعليم أن تجعل منه امتحاناً وطنياً وسيادياً ... تكافح من اجل رُقِيِّه وتطويرِه .. ليكونَ ليسَ نهايةَ مرحلةٍ .. أو بوابة للمجهول.. بل ضماناً للمستقبل.
فبعد مخاض مرهق انفض مولد الثانوية العامة الذي يتكرر كل عام .. وأعلنت نتائج الدورة الصيفية لشهادة الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي 2010م.. في وقت استنفرت فيه وزارة التربية والتعليم كل إمكاناتها في إدارة الامتحانات والاختبارات لتتخذ الخطوات في الطريق الصحيح نحو نظرة تربوية تسعى من خلالها إلى إتاحة الوقت الكافي للمراجعة والتدقيق في النتائج حتى خرجت بالصورة المأمولة لها .. وبمساع حثيثة ومباركة من طواقم التصحيح والفرز والرصد .. وعلى رأسهم السيد حسني الشريف .. رجل المهمات الصعبة .. وعميد إدارة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم .. القادر على التعاطي مع آليات نتائج الثانوية العامة بكل همة ومسؤولية وبعزم وتصميم منقطع النظير .
وبغض النظر عن التبعات التي سادت ورافقت ظهور النتائج خلال الدورة الشتوية الماضية فلن بثنينا ذلك عن تجديد ثقتنا بزملائنا في إدارة الامتحانات وفرحتنا بأبنائنا الناجحين..فلن أقف موقف المدافع عن وزارتنا العتيدة – وزارة التربية والتعليم – ولكن كلي ثقة ويقين أن النتائج تخرج كل عام من لدن إدارة الامتحانات ومن أيدٍ نظيفة عفيفة دون أيه إرباكات .
فالزملاء العاملون في إدارة الامتحانات هم ذاتهم القائمون سنويا على استخراج تلك النتائج وبنفس الآلية والهمة والنشاط.... فتلك الإدارة مشهود لها بالمصداقية والعمل الجاد والدؤوب رفعة وحرصا على مصداقية النتائج ..
إننا فخورون بنتائج هذه الدورة وبما تحقق من انجازات لطلبتنا الأعزاء في مختلف الفروع خاصة أن نسب المتفوقين فاقت المتوقع .. فما تشير إليه النتائج أن نسبه الذين حصلوا على معدلات عالية 90% فما فوق نسبة كبيرة وهذا يشير إلى أن التفوق ليس حكراً على أحد بل هو متاح لكافة الطلاب على اختلاف مستوياتهم العلمية فقد رأينا من الطلاب من كان تحصيله العلمي متوسطاً أو عادياً في مرحلة التعليم الأساسي أو بداية المرحلة الثانوية وتمكن من إحراز التفوق في الشهادة الثانوية لإحساسهم بالمسؤولية وعزمهم وتصميمهم على بلوغ طموحهم بكل همة ومسؤولية .. موقنين بذلك أن شهادة الدراسة الثانوية العامة هي المفصل في حياة كل طلبتنا ونتيجتها الدراسية غالباً ما تحدد مصيرهم حيث تأتي في مرحلة حساسة وحرجة في حياة الطالب من حيث تكوينه ومراهقته .. وغالباً ما يكون المتفوق من استطاع التحكم بذاته وظروفه وابتعد عن الملهيات واختار أصدقاءه بعناية فائقة . فهنيئاً لهم تفوقهم وتميزهم ونبارك لأهاليهم بما حققوه من تقدم
ولكن .. دعونا نقرأ بعضا من الأمور التي يجب أن نقف عندها وقفة المتأمل .. لنراجعها بكل شفافية وبصراحة متناهية .. بمزيد من التفكير والمسؤولية .. لنكشف عن كثير من الإشكالات التي كانت السبب في وجود تدني في نسب تحصيل الطلاب في بعض المواد .. والتي اعترضت وتعترض العملية التعليمية بشكل عام .. فعند التأني في قراءة النتائج يجب الكشف في نفس الوقت عن جوانب من الخلل .. ونقاط من الضعف .. بحيث يمكن التعاطي معها بجدية ومسؤولية..خاصة عند التريث في قراءة بعضا منها.. فالمشكلة ليست مجرد إشكالية بسيطة وتذهب أدراج الرياح .. فمن الممكن أن تعود في السنوات المقبلة وبنفس الوتيرة ولن تنتهي بمجرد إعلان النتائج ويذهب كل منا في طريقه وينشغل بقضايا أخرى وننسى واقعا لا بد من تأمله بكل جرأة وموضوعية..
لا نريد أن نتحدث عن نسب الرسوب وعدد الذين شملتهم تلك النسبة .. بل أن هناك سؤالاً يدور في خلد كل متتبع لنتائج امتحان الثانوية العامة وهو : لماذا يخفق طلاب بعض المدارس بشكل جماعي ؟ فهي كثيرة تلك المدارس التي لم يحالف طلابها الحظ وأخفقوا جميعاً .. وكثيرة هي المدارس التي لم ينجح من طلابها سوى القليل لتكون نسبة الرسوب فيها أكثر من 90% وهي نسبة مرعبة حقاً تدفعنا نحو التساؤل أين هو الخلل ؟
هل نلوم الطالب ونحمله المسؤولية عن هذا الفشل الذريع بمفرده ؟ وهل من المعقول أن يكون حال كل الطلاب في تلك المدرسة هو الفشل؟ سؤال تصعب إجابته .؟ أم يحتمل أكثر من إجابة !! أم من الضرورة بمكان تعقب الأسباب الحقيقية وراء تلك الإخفاقات بصورتها العامة المتمثلة في نسب الرسوب وفي نسبة المعدلات المتدنية التي لا توصل الطالب إلى أي طريق يرجى فيه الأمان نحو مستقبل واعد واضح المعالم .. بل سيبقى ذلك الطالب ( المسكين ) يتخبط في دوامة الإحباط نادباً حظه (ماقتاً ) نفسه راسما طريقا سوداويا لمستقبل مجهول ..
هل نتجرأ ونعترف أن هناك خلل واضح ومستشري في مدارسنا ؟ فأنا أعلم تماماً .. بل أعي تماماً .. أن مدارسنا قد جرى الإنفاق على ديمومتها وتوفير المستلزمات اللازمة لها ما يشبه المستحيل .. وصولاً إلى توفر الكوادر التدريسية المختصة لكل مادة .. أم نقول أنَ هذا الأمر بات مشكوك فيه بعد هذه النتيجة..
دعونا نسأل : ما هو موقف معلم المادة الذي أرهقته المدرسة والدروس الخصوصية عند علمه أن جميع طلبته دون استثناء لم يفلح منهم أحدا ؟ بل كيف هو موقف مدير المدرسة والهيئات التدريسية وحتى مديريات التربية وعلى رأسهم الإشراف التربوي من ذلك ؟
أنا أعتقد أن المدرسة الراكدة والتي نسبة النجاح فيها لم تتجاوز ال صفر % في الثانوية العامة لا بد من إعادة النظر في وضعها ومراجعة حساباتنا معها ولكوادرها الإدارية والتدريسية فهي مدرسة ثانوية محسوبة على البلاد والعباد..لتخرج أفرادا فاعلين في مجتمع نسعى إلى رقيه وتطوره .. فليس من الممكن أن يصدق أحداً أن جميع طلاب تلك المدرسة هم أغبياء لا يفهمون شيئاً دون استثناء بل إن مصطلح ( الغباء ) ليس موجودا في قواميس التربية والتعليم وأدبياتها فمن المؤلم أن نلقي باللائمة عليهم ليبدأ عام دراسي جديد تكون حصيلته النهائية مثل هذه النتيجة.
لا أريد أن يكون طرحي ضبابياً .. فلا أتمنى أن تقرع أجراس الخطر .. فلا بد من أن هناك من يسمع ويعي ويتابع النتائج بدقة.. وهذا الأمر لا ينبغي أن يمر دون مراجعة ومحاسبة .. فلا داعي للمغالطة والصمت المقيت وترحيل المشاكل للمستقبل المثقل بأمور تربوية أخرى .. فلن ننسى أننا في القرن الواحد والعشرين .. قرن العولمة والتحديات .. ولا داعي لوضع مبررات وإلقائها على كاهل الضحايا ذاتهم الذين وجدوا أنفسهم في كشوفات الفشل ، فمن يسمع ؟؟!! وهل من مجيب ؟؟!! بل ما هو موقف كل من يهمه أمر العلم والتعليم ويهمه مستقبل الأجيال ؟
أدركونا أيها التربويين !! فلا يكفي أن نلقي باللائمة على الطالب .. فمن الذي أوصله إلى هذه المرحلة ما دام ليس أهلا لها .. وتلقائية النجاح هي معيار حتمي في أنظمتنا وقوانيننا التربوية التعليمية التي ندعي عصرنتها .. هل نحن بحاجة إلى قواعد بنائية تنهض بالعملية التعليمية برمتها إلى ركب العصرنة المتطورة أم سنبقى نراوح في أمكنتنا نلوم أنفسنا ونندب حظنا العاثر ؟
دعونا نتصارح .. إننا وبكل صراحة وموضوعية بحاجة إلى نوع من الثقافة الذاتية المعتمدة على الضمير الحي الذي يجب أن بتجذر في عروقنا .. ليكون ولاؤنا وانتماؤنا ووفاؤنا خالصة لله ولتراب هذا الوطن الطيب الطاهر ولمهنتنا التي اخترنا .
نحتاج إلى ثقافة تربوية ذات بعد كاريزمي وجاذبية كبيرة وحضور عميق يجب تجسيده في شخصية زملائنا المعلمين .. أو بمعنى التحلي بشخصية تمتلك القدرة على التأثير على الآخرين إيجابيا وخاصة طلابهم الذين هم أمانه في أعناقهم لا بل يجب أن يتمتعوا بسحر شخصي .. بروح تبعث الطاقة العاطفية المؤثرة في الناس على المستوى الفكري أو الحسي أو الانفعالي.. والتواصل الإيجابي بالعملية التربوية التعليمية ومن مختلف جوانبها ملامسة لحاجات الطلاب ..
فأنت المسؤول عزيزي المعلم ا أولا وأخيرا عن تحصيل طلابك فإذا أعطيتهم ما يرضي الله عزّ وجل .. فستجدها في آخرتك .. ولا تنسى أن مهنتك هي مهنه الأنبياء والرسل فعن أبي عبد الله ? قال: \"قال رسول الله (ص): يجيء الرجل يوم القيامة، وله من الحسنات كالسحاب الركام، أو كالجبال الرواسي. فيقول: يا رب أنَّى لي هذا ولم أعملها؟ فيقول: هذا علمك الذي علَّمته الناس، يعمل به من بعدك .
من هنا لا بد من دعوة صريحة.. ندعو من خلالها إلى عمل تقييم شامل للعملية التعليمية ومراجعة عامة وشاملة وخاصة للمرحلة الثانوية ؟! وفيما يتعلق بتحديد المناهج الدراسية و بيداغوجيا التعليم ..أو بأدوات التقييم التقليدية المختلفة .. وتقصي المناهج الخفية المكتوبة ( مناهج الظل ) التي تعتمدها المراكز الثقافية كبائل قوية للمناهج الرسمية
وأخيراً دعوني أبارك للنخبة الطيبة من طلبتنا الأعزاء الذي فرحوا هذا اليوم بالنجاح وأدعو للذين لم يحالفهم الحظ مراجعة حساباتهم مع أنفسهم وتخطي هذه المرحلة بمزيد من العزم والإصرار .
ولا ننسى تلك الجهود الخيرة المباركة عند زملائنا .. والذين نعي تماما ما هي قيمة عطائهم وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم .. وعلى رأسهم معالي الدكتور خالد الكركي صاحب الفكر التربوي الراقي ..
فللجميع كل الحب والتقدير فهم الذي يؤدون رسالتهم على أكمل وجه فالخير فيهم إلى يوم يبعثون
وليعذرني زملائي فما أردت سوى الوقوف على أعتاب بعض ما نعانيه جميعا
فكل الحب إلى كل يد مخلصة تأبى إلا العطاء إرضاءً لله عز وجل ... أعاننا الله على تحمل المسؤولية ..
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com