لا احب عادة نشر مقالي في اكثر من موقع ،فعلت ذلك عندما بدأت الكتابة في عمون ، والتزمت مع خبرني ، والان لا انشر مقالي الا في كل الاردن ، ولكن الهجوم الذي شنته الحكومة على المواقع الاخبارية جعلني اعود لمقال قديم نشرته قبل ثمانية اشهر في خبرني بعنوان (تركنا مواقعكم فاتركوا مواقعنا ) ، ارسلت هذا المقال ل ال (28) موقعا التي وقعت على البيان الاخير ضد قانون المعلومات وحجب المواقع عن موظفي الدولة تعاطفا مع هذه المواقع واستنكارا لقرارا حكومة الرفاعي ، هذا المقال بين ايدي رؤساء تحرير المواقع ولهم القرار في نشره او عم النشر واليكم المقال
تركنا (مواقعكم) فاتركوا (مواقعنا)
خالد الكساسبه
الحرية في( قوانين السماء) واجب، وفي (قوانين الارض) حق ،وحيث اننا مؤمنون ب (الاركان الخمس) لقانون السماء فاننا : نشهد ان لا وطن، رغم كل الترحال، في قلوبنا الا الاردن، وان اقلامنا لن تظل (ساجدة ) راكعة خانعة ،و افواهنا وعقولنا لن تبقى (صائمة) تتيمم بالافكار بدون ملامستها، ونقول لكم :عقولنا (زكيناها) للوطن، حجرتم علينا وحبستم انفاسنا ونفيتمونا لكننا (نحج )باجسادنا للاردن ما استطعنا الى ذلك سبيلا، ونحج بقلوبنا الى عمان كل يوم وكل ساعة .
نشعر بالحزن والشفقة على المحرر المسؤول من مكالمات اخر الليل ومن مقص الرقيب الذي يتعامل مع المحرر عبر عشرين قانونا تنظم عمل الاعلام في الاردن ، فما حاجتنا الى قانون جديد يكمم افواه صحفيونا الذين يعملون وسط ظروف قاهرة ، فقانون حق الحصول على المعلومات غير مفعل ، والحصول على الاحصاءات اصعب من الحصول على مياه نظيفة ،وبالامس ، يا المصادفة، تبنت احدى الصحف اليومية مدونة سلوكية اكثر ديكتاتورية من كل قوانين الحكومات .
قبل عامين تعهد ناصر جودة بضبط الصحافة الالكترونية ،الصعوبات التقنية حالت بين جودة ومشروعه العرفي ، والان تعود حكومتنا للتلويح بقانون لضبط الصحافة الالكترونية ، و نبيل الشريف صرح قبل اربعة اشهر ان تقدم الاردن على مقياس منظمة مراسلون بلا حدود يدفعنا لمزيد من الحريات ،ولكنه الان يريد ان يكمم الافواه .
الملك يدعو لحرية سقفها السماء ولعدم حبس الصحفيين ورجاله يخرجون علينا بافكار عرفية وحاشيته تلجم كل الافكار، الملك الغى وزارة الاعلام ورجاله تمادوا في الرقابة على الاعلام .
منذ عودتي للكتابة حجبت معظم المواقع التي اكتب لها الكثير من مقالاتي التي لا زلت احتفظ بها ولم ،ولن ،انشرها في اي موقع خارج الاردن ، باستثناء صفحتي في الفيس بوك ، لا تجعلوني والاخرون نهاجر مواقعنا الى السيرفرات الخارجية ، لا تنفوا اقلامنا كما نفيتم شخوصنا ،اجعلوا اقلامنا اسلحة للدفاع عن الوطن ،امنحوا كلماتنا الفرصة لتكون الرصاصات التي تدافع عن الوطن .
نصف الاردنيين ولدوا بعد 1989 ،عام حريتنا وديمقراطيتنا ،عام استعدنا اانفاسنا وتنفسنا،عام ان عملت القوانين لصالح المواطن بشكل جعلنا نؤمن بان قوننة الاشياء شئ جميل ولكن اهداف القوننة تثير الريبة ، فعصر الاقطاع ذهب ، وزمن الفروسية ولى، اسعار خبزنا في ارتفاع ، واسعار نفطنا، في ارتفاع ، واسعار لحمنا في ارتفاع ، وحريتنا وديمقراطيتنا في انخفاض .
يا سمير لا تفعل مثلما فعل جدك ،ولا تفعل مثلما فعل ابوك ، اردن اليوم يختلف عن اردن الخمسينيات واردن الثمانينيات ، اردن اليوم فسيح ومغرد، اردن اليوم بلا فضاء وسقفه عال .. عال ..عال ، اهله جوعى للخبز ولكنهم جوعى للحرية اكثر .
يا سمير تعلم من تجربة جدك وابيك ، تعلم من تجربة كل الديكتاتوريين الذين سقطوا ، ذهبوا هم وبقيت الصحافة، ذهبوا ، رحلوا، وبقيت حرية الصحافة ،يا سمير اسأل ابيك: كيف انفجر بالون معان 1989؟لم ينفجر بسبب هبوط الدينار ،اسأل والدك: كيف انفجر بالون الكرك 1996 ؟لم ينفجر بسبب اسعار الخبز ، فقط انفجر البالون من كثرة الضغط .
لا نريد ان نتقاسم المناصب معكم، لا نريد ان نتقاسم الخيرات معكم ، لكننا نريد حريتنا ، خسرنا نفطنا، ولوثتم مياهنا، ولكن لا تسقوننا علقم الحرية، نريد حرية نظيفة شفافة ،منعتمونا ان نكتب ضد سميح البطيخي وتركتموه يفعل ما يفعل ، وياكل تعب الاردنيين ،وثروات الاردنيين، منعتمونا ان نكتب ضد عبدالكريم الكباريتي ، وبعد سنوات اقلتموه شر اقالة .
نكتب لاننا نحب الاردن ونغار عليه وعلى سمعته وعلى ثرواته التي تسيل عليها العبة المفسدون السارقون، المواقع الالكترونية لديها ثغرات ولكن تكميمها لن يفيد البلد ولا سمعة البلد الذي ما فتأ تصنيفه الديمقراطي يهبط كل عام .
الجندي بلا خوذة او سلاح لا يستطيع ان يدافع عن الوطن ،والصحفي بلا حرية او ديمقراطية لا يستطيع ان يجابه اعداء الوطن ، حافظوا على هذا الشعب الطيب ، لا تكموا افواهه ، لا تعدوا عليه انفاسه ،لا تضغطوا البالون لانه سينفجر في وجوهكم .
لا تقارنوننا ب سورية والسعودية لانني لا اقارن الاردن ب امريكا او السويد ،حرية التعبير في الاردن سراب يظنه العطشان ماء ولكنه ليس ماء وانما يشبه الماء ، الحرية بلا مسؤولية تشيع الفوضى، والمسؤولية بلا حرية تشيع الديكتاتورية ،فالمعادلة معروفة : لا حرية بلا مسؤولية ، ولا مسؤولية بدون حرية ، ولهذا اجدني دوما اردد مع ام كلثوم :\"اعطني حريتي اطلق يدي\" ، واتذكر كلمات عمرو بن الخطاب الذي صرخ قبل عصر الانترنت بقرون ان:\" متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا \" .
لسنا من الذين يدبجون كتاباتهم باسماء وهمية ، ولا نكتب بالحبر السري ،ولا نعمل من تحت الارض ، ولا نوزع المنشورات ،اسماؤنا واضحة ، وكلامنا واضح ،وعناويننا مكشوفة ، ولكننا نقرأ (الماورائيات) ، ونعرف الاهداف والغايات للذين يسعون لتقييد حرياتنا وحرية مواقعنا الالكترونية .
ان (الحتميين) يؤمنون عموما بان كل شئ يحدث فأنه يحدث بسبب موجب يستلزم ذلك، ومن هنا فان اقرار قانون اخضاع المواقع الالكترونية لقانون المطبوعات جاء بعد ان استلزم الامر ذلك بالنسبة للحكومة و(صحافتها المريضة) التي ترهلت لدرجة عجزت معها على خوض منافسة شريفة مع المواقع الالكترونية .
ان الحرية لا تكمن في حلم الاستقلال عن القوانين الطبيعية ولكنها تكمن في معرفة هذه القوانين والتعايش معها ونحن نعي قوانين البلد وعادات البلد وتقاليد البلد ولن نحيد عنها مهما تغربنا أو نفينا ،فنحن اردنيين ولدنا ، واردنيين سنموت ، رغم انه لدى البشر القدرة على تلدين المعادن حسب رغباتهم و تشكيل القوانين تبعا لمصالحهم .
تستطيع الحكومة تغيير النتائج الخاصة بالمواقع ولكنها ابدا لن تستطيع تغيير افكار الشعب ،ولن تستطيع مهما قوننت العمل الالكتروني ان تغير افكار الشعب واتجاهاته السياسية المصممة من قوى داخلية راغبة بالحرية ،لا تستطيع اي قوى ان تحد من حريتها او تدفعها للخروج من مواطنتها او انتماءاتها لصالح اؤلئك الذين يخرجون علينا كل يوم بقوانين لا هم لها سوى حفظ مصالحهم والابقاء على قانون الميراث السياسي الذي يحفظ الزعامة لهم .
يبدو ان هناك علاقة ديالكتيكية بين الحرية والضرورة فتختفي الحرية ساعة الضرورة وتبرز الضرورة لتعزز الحرية وهو ما شاهدناه في بث حي مباشر عندما استنجدت الدولة بالصحافة لتدافع عنها عندما جاء صوت هيكل من الجزيرة، وعندما هبت سموم الحقد من كنيسيت الدولة الصديقة التي وقعنا معها اتفاقية السلام ممارسة لرغباتنا والضرورة هي اجبارنا على الادعاء باننا نمارس رغباتنا بطرق لا نختارها لدرجة تدفعنا للسؤال : اليس لهؤلاء القوم هوايات اخرى الى جانب هواية السرقة والقمع ،الحرية هي جدراننا المنيعة، فلا حرية بدون سلطة ولاسلطة بدون حرية، فالانسان عندما يقاتل فانما يقاتل لاجل سلطة الحرية ،وما دام الانسان بدون حرية فانه يصير شيئا وضيعا قابل لاي شئ قابل للشراء والامتلاك .
يا حفيد سمير ويا ابن زيد، يا ابن احمد اللوزي وابنة مضر بدران ،يا ابن عبدالسلام المجالي و يا ابن عبد الهادي المجالي، تركنا لكم كل المناصب والمواقع فاتركوا لنا بعض المواقع ، مواقعكم رفاهية وحقيقية ، ومواقعنا عذاب و خيال ، فهل تستكثرون علينا العذاب و الاحلام .
مواقعكم لديها كراسي تستندون اليها ورواتب عالية واعطيات، ومواقعنا فيها كل الغيرة على الوطن والتعب و التضحيات ،لا تنافسوننا على مواقعنا لان هذا يدفعنا لمنافستكم على مواقعكم ، اتركونا في حالنا وسنترككم في حالكم تنعمون بخيرات الوطن وتمتطون ظهورنا للابد ، فوطني مكون من مواطن وسلطان، ولا مكان فيه للانسان .
ماذا تريدون منا كفى .. كفى..كفى
khaledkasasbeh@yahoo.com