زاد الاردن الاخباري -
رفع "العجوز" جوزيف بلاتر "الراية البيضاء"، وأعلن استسلامه أمام خصومه في ظل تزايد فضائح "فيفا"، التي طالت مؤخرا الأمين العام للاتحاد الدولي لكرة القدم جيروم فالكه، وما تزال "الكرة الثلجية" تتدحرج وتكبر يوما بعد يوم منذرة بسقوط "رؤوس أخرى" غير تلك التي أعلن عنها قبل انتخابات "فيفا" بيومين.
لماذا هذا التوقيت؟
ولعل أهم سؤال كان أول من أمس لماذا اختار بلاتر هذا التوقيت لتقديم الاستقالة.. أي بعد أربعة أيام من فوزه بولاية خامسة؟.
تختلف الاجتهادات ولكنها تكاد تتقارب إلى حد منطقي؛ فرئيس "فيفا" لم يحصل على ثقة الجميع.. اختاره 133 من أعضاء الجمعية العمومية من أصل 209 في انتخابات الجمعة الماضي في سويسرا.. المعارضون كانوا 73 عضوا منحوا أصواتهم للأمير علي بن الحسين، الذي فضّل الانسحاب في الجولة الثانية من الانتخابات، لكن رصيد الأمير علي كان من الأصوات النظيفة والشريفة في مختلف قارات العالم وأكثرها من أوروبا التي تشكل أكبر قوة كروية في العالم.
الأوروبيون كانوا يحضّرون للمقاطعة
في خطابه أول من أمس، قال بلاتر: "لا أشعر بأنني أملك تفويضا من الأوساط الكروية بأسرها".. وهذه إشارة نحو أوروبا التي تكاد تكون موحدة ضد بلاتر، وثمة من يؤكد أن الأوروبيين كانوا يحضّرون لمفاجأة من العيار الثقيل في اجتماعهم المزمع عقده يوم السبت المقبل على هامش ختام دوري أبطال أوروبا بين برشلونة ويوفنتوس، ولم يكن بلاتر مرحبا به لحضور المشهد النهائي في برلين في اليوم ذاته، وتلك مفاجأة تتمثل في مقاطعة أوروبية شبه جماعية لبطولات الفيفا وعلى رأسها كأس العالم، وبالتالي أصبح بلاتر في مواجهة الشركات الراعية التي لن تقبل بغياب الأوروبيين عن البطولات الكبرى لاسيما المونديال.
لكن بلاتيني أعلن أمس في تطور مفاجئ أنه تقرر تأجيل اجتماع "الويفا" إلى إشعار آخر بعد استقالة بلاتر بيوم واحد، وهذا قد يفسر بأكثر من جانب!.
سقوط القلعة الأخيرة
المسألة الثانية المتعلقة باستقالة بلاتر تكمن في الكم الجديد الذي يضاف إلى الكم الوافر من الفضائح التي هزت عرش إمبراطورية كرة القدم.. شكل اتهام الأمين العام للاتحاد الدولي جيروم فالكه بتحويل مبلغ 10 ملايين دولار أميركي من خلال تحويلة مصرفية لنائب رئيس "فيفا" جاك وارنر أحد الموقوفين في قضايا الفساد.. سقطت آخر القلاع التي تحمي بلاتر بعد أن تساقط عدد من نوابه بفعل التحقيقات الأميركية، وبات بلاتر على بعد خطوة من المثول أمام المحققين، فهو اليوم يدير مؤسسة فاسدة وربما يكون يوم غد المتهم الرئيسي في قيادة "العصابة" التي عاثت فسادا ولوثت سمعة كرة القدم العالمية، ما جعل الرعاة الرئيسيين يخافون على سمعتهم ويطالبون بـ"تنظيف فيفا" من الفساد، ثم كانوا من أكثر المرحبين باستقالة بلاتر.
شتان بين الموقفين
بلاتر خرج أول من أمس من الباب الخلفي الضيق "مكسور الجناح ومثيرا للشفقة"... تكاد الدموع تنهمر من عينيه.. خطواته متثاقلة وكأنها تعني الكثير، لرجل رفع قبل أيام "شارة النصر" وهو يكسب الولاية الرئاسية الخامسة، ويخرج منتصرا مع حلفائه".
بلاتر قال ذات يوم إنه أشبه بالربان الذي يقود السفينة في بحر متلاطم الأمواج، لكنه يترك السفينة غارقة في بحر من الفضائح.
6 أو 9 أشهر
وحسب ما تنص عليه لوائح "فيفا"، فإن بلاتر سيستمر في عمله لحين انتخاب رئيس جديد، ما لم يجد اسمه على قائمة المتهمين ومن ثم المتورطين بالفساد، وبذلك يتم تسيير شؤون الفيفا من قبل النائب الأكبر سنا وهو رئيس الاتحاد الأفريقي عيسى حياتو، الذي يعد من أنصار بلاتر والذي أدار الجلسة الانتخابية السابقة.
وأمس أعلنت وسائل إعلام أميركية أن مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي)، وسع تحقيقاته في إطار فضيحة الفساد، وباتت تشمل بشكل مباشر بلاتر.
الجمعية العمومية للفيفا ستعقد اجتماعها العادي يوم 13 أيار (مايو) المقبل في مكسيكو وهذا موعد طويل ومتأخر، وعليه ستتم الدعوة لعقد اجتماع طارئ في القريب العاجل لم يحدد موعده بعد، من أجل انتخاب رئيس جديد للفيفا خلال مدة تتراوح بين ستة وتسعة أشهر، أي إما في كانون الأول (ديسمبر) أو آذار (مارس) المقبلين، بحيث سيتم تكليف الرئيس المستقل للجنة الاستماع والمطابقة ورئيس اللجنة الانتخابية في الفيفا دومنيكو سكالا لإدارة العملية الانتخابية، فيما يكمن سبب طول المدة التي تفصل بين استقالة بلاتر وتعيين رئيس جديد، بهدف منح المرشحين فرصة لإعلان ترشيحاتهم الرسمية أولا ومن ثم تقديم برامجهم والقيام بحملاتهم الانتخابية.
الأمير علي والانتخابات
بمجرد إعلان بلاتر استقالته، تردد سؤال مهم.. هل يترشح الأمير علي بن الحسين مرة جديدة لرئاسة الفيفا؟، وتلا ذلك أسئلة عدة لعل أبرزها من هي الشخصيات التي يمكن أن تدخل الانتخابات مجددا؟، ومن هو المرشح الأوفر حظا لخلافة بلاتر؟.
الأمير علي بن الحسين لم يعلن بشكل قطعي ترشحه للانتخابات المقبلة، لكن نائب رئيس اتحاد كرة القدم الأردني صلاح صبرة أكد أن الأمير علي سيترشح للانتخابات المقبلة، لاسيما وأن سموه صرح لشبكات إعلامية بأنه جاهز لخدمة الفيفا.
ماذا يحتاج الأمير علي؟
لكن ماذا يحتاج الأمير علي لتجاوز معضلة الـ73 صوتا التي حصل عليها في الجولة الأولى من الانتخابات السابقة، ليحصل على تصويت الغالبية النسبية أو العظمى من أصوات الجمعية العمومية في الانتخابات المقبلة؟.
من الواضح أن الأمير علي عانى في الانتخابات الماضية من حجب ما نسبته 80 % إن لم يكن أكثر من أصوات القارتين الآسيوية والأفريقية، اللتين تضمان 100 صوت "54 لأفريقيا و46 لآسيا" وما نسبته 50 % من أصوات الناخبين، كما أن الأصوات العربية كانت "خافتة" وذهبت في معظمها لصالح بلاتر، ما أثار استياء الشارعين الأردني والعربي، ليسارع بعد ذلك الأمير علي ومن بعده اتحاد الكرة الأردني للإعلان عن طي صفحة الانتخابات الماضية والإشادة بالعلاقات مع الاتحادات العربية.
فوز الأمير علي بن الحسين برئاسة فيفا، مرهون بالدرجة الأولى بأن تكون آسيا موحدة خلفه، وبغياب بلاتر عن المشهد فإن موقف رئيس الاتحاد الآسيوي ونائب رئيس الفيفا الشيخ سلمان بن ابراهيم آل خليفة وكذلك رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي وعضو اللجنة التنفيذية في الفيفا الشيخ أحمد الفهد، يجب أن يكون لصالح الأمير علي، لأنهما في الانتخابات السابقة أقرا بوقوفهما مع بلاتر بناء على وعد سابق، وها هو بلاتر يغادر المشهد، وبالتالي لا مبرر لهما لعدم مساندة الأمير علي هذه المرة.
انقسام آسيوي
لكن ثمة من يقول إن الشيخ أحمد الفهد أبدى في وقت سابق رغبة بالترشح للفيفا خلفا لبلاتر في العام 2019، وبالتالي لم يتضح بعد موقفه من الترشح أو عدمه، وفي الوقت ذاته أعلن الملياردير الكوري الجنوبي تشونج مونج جون أنه "يدرس بعناية" الترشح لرئاسة الفيفا، وهو بالمناسبة الشخص ذاته الذي خسر أمام الأمير علي الانتخابات على منصب نائب رئيس الفيفا عن القارة الآسيوية في الانتخابات التي جرت في الدوحة في العام 2011، وحينها كان الشيخ سلمان بن إبراهيم والشيخ أحمد الفهد من أبرز الداعمين للأمير علي، بينما كان رئيس الاتحاد الآسيوي السابق محمد بن همام من داعمي تشونج.
هذا يعني أنه في حال لم تتفق آسيا على مرشح واحد يحظى بجميع أصوات القارة، فإن تلك الأصوات ستتبعثر ولا يمكن الجزم لمن تكون الأفضلية، وفيما اذا كان "عرب آسيا" سينقسمون مرة أخرى في ترشيحاتهم.
أفريقيا لمن تصوت؟
المسألة الأخرى تتعلق بالأصوات الأفريقية، وحتى اللحظة فإن القائمة المبدئية للمرشحين الذين أعلنوا رغبتهم رسميا أو يدرسون الترشح لا تضم أفريقيا، وبالتالي يمكن التعويل على هذه النقطة لكسب الأصوات العربية في القارة الأفريقية والكم الأكبر من الأصوات، الا اذا ترشح رئيس الاتحاد الأفريقي عيسى حياتو لرئاسة الفيفا مرة ثانية، بعد أن خسر المرة الأولى أمام بلاتر في العام 2002 ثم تحول حليفا له، وربما يؤدي سقوط بلاتر إلى سقوط حياتو أيضا لأنه من أكثر الشخصيات التي تحوم حولها الشكوك بالفساد.
هل ستبقي أوروبا على دعمها؟
لكن فيما اذا ترشح الأمير علي رسميا... هل ستقوم قارة أوروبا بدعمه أم تتخلى عنه هذه المرة وتبحث عن مصالحها الضيقة؟.
حتى اللحظة تتردد أسماء رئيس الاتحاد الأوروبي ميشال بلاتيني والدبلوماسي السابق ونائب أمين عام الفيفا سابقا جيروم شامبين ورجل الأعمال السويسري ورئيس لجنة المراجعة في الفيفا دومنيكو ساكالا ورئيس اتحاد كرة القدم الألماني فولفجانج نيرسباخ، بالإضافة إلى المدرب البرازيلي زيكو.
تأجيل اجتماع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "الويفا" إثر التطورات الأخيرة، ترك مجالا للتساؤل.. هل ستبقي غالبية القارة الأوروبية على دعمها للأمير علي ولو في ظل وجود مرشحين أوروبيين؟، أم أن أوروبا ستتفق على مرشح منها ربما يكون ميشال بلاتيني الذي كان أحد أبرز الداعمين للأمير علي في الانتخابات الماضية.
تجربة غنية سابقة
وربما شكلت الانتخابات الماضية تجربة غنية للأمير علي كي يعرف مواطن القوة والضعف في مساره الانتخابي السابق، بحيث يتلافى السلبيات ويعزز الإيجابيات لاحقا، ومن المؤكد أن سموه سيلتقي مع بلاتيني أو يتحاور معه هاتفيا قبل الاتفاق على ترشح الأمير علي ومعرفة موقف الأوروبيين منه.
الأوروبيون يهيمنون على المنصب
تاريخيا هيمن الأوروبيون على منصب الرئيس، بدءا من الفرنسي روبير غيران "1904-1906"، ثم الانجليزي دانيال وولفول "1906-1918"، ثم الفرنسي جول ريميه "1921-1954"، البلجيكي وليام سيلدرييرز "1954-1955"، الانجليزي ارثر دروري "1955-1961"، الانجليزي ستانلي راوس "1961-1974"، البرازيلي جواو هافيلانج "1974-1998"، السويسري جوزيف بلاتر "1998-2015".
ملف كأس العالم يشتعل
من الواضح أن ملفي كأس العالم "روسيا 2018" و"قطر 2022"، سيكونان عرضة للفتح مجددا بعد سقوط أشد المدافعين عنهما بلاتر، الذي حرص مرارا قبل استقالته على التأكيد أن التصويت على ملفي كأس العالم انتهى إلى غير رجعة ولن تتم إعادة التصويت عليهما.
وبمجرد استقالة بلاتر، أطلق رئيس الاتحاد الانجليزي غريغ دايك تصريحا ناريا، اعتبر فيه بأنه يتعين على منظمي كأس العالم 2022 في قطر أن يقلقوا بعد استقالة بلاتر، مؤكدا للتلفزيون البريطاني: "اذا كنت مكان قطر حاليا، فلن أشعر بالثقة على الإطلاق".
وهذا ما جعل رئيس الاتحاد القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يرد ببيان رسمي يؤكد أن قطر ليس لديها شيء تخفيه في ما يتعلق بملف ترشيحها، مضيفا "ان مسارعة دايك حول انتزاع كأس العالم من قطر تفضي بالكثير حول آرائه بشأن إقامة أول كأس عالم في منطقة الشرق الأوسط".
ودعا الرئيس السابق للاتحاد الألماني لكرة القدم ثيو تسفانتسيغر الى إعادة النظر بمنح قطر استضافة مونديال 2022، واصفا قطر بـ"سرطان كرة القدم العالمية".
لكن ثمة طرف آخر متربص بملف قطر وهو الأميركي المتهم بأنه وراء كشف كل الفضائح التي أصابت الفيفا مؤخرا؛ حيث رفعت الصحف الأميركية من وتيرة انتقادها لأحوال العمالة القائمة على إنشاء الملاعب، متوقعة أن يتوفى نحو 4000 عامل من الآن حتى إنجاز بناء البنى التحتية استعدادا لكأس العالم.
المخاوف القطرية على حقها باستضافة المونديال تجاوزت الشأنين الرياضي والسياسي إلى الشأن الاقتصادي أيضا؛ حيث شهدت بورصة الدوحة أمس تراجعا خلال التداولات، وتراجع مؤشر السوق القطرية 3.2 % في بداية التداولات ليصل الى 11800 نقطة، الا أنه عوض قسما كبيرا من خسائره.
ورأى رئيس الاتحاد الأميركي لكرة القدم صانيل غولاتي، "أن استقالة بلاتر مناسبة استثنائية وفورية لإجراء تغيير إيجابي داخل الفيفا"، معتبرا "أنها الأولى من خطوات عديدة لإصلاح حقيقي وملائم داخل الفيفا".
والمعروف أن الانجليز والأميركيين خسروا شرف استضافة مونديالي 2018 و2022 أمام روسيا وقطر، وربما يشعل هذا الأمر أزمات عدة وتدخل السياسة طرفا في تلك الاشتباكات المنتظرة.
ردود الأفعال الرياضية جاءت معظمها مرحبة باستقالة بلاتر؛ حيث وصفت تلك الاستقالة بأنها قرار صعب وجريء وصحيح.
السياسيون يتدخلون
ولم يترك السياسيون استقالة بلاتر من دون إبداء وجهة نظرهم، فأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية ماري هارف، أن الولايات المتحدة لم تدفع السويسري جوزيف بلاتر الى الاستقالة، فيما وصف وزير الرياضة الروسي فيتالي موتكو الاستقالة بأنها "شجاعة" وستسهم في منع الانقسام داخل المؤسسة الدولية، فيما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ساند بلاتر واتهم الولايات المتحدة بالتدخل خارج ولايتها القضائية.
الزلازل متواصلة
وأخيرا.. ما تزال الزلازل تضرب الفيفا وتدك أعمدتها الرئيسة، فهل تكون النهاية المأساوية لعجوز أمضى 40 عاما في الفيفا، ولم يستطع تسلق القمة كما أراد ووعد، واكتفى بحركة وداع تنم عن انكسار.
الغد